مع ارتفاع منسوب التوتّر الأمني في بلدة عين دارة ومحيطها، بعد إصرار رجل الأعمال بيار فتوش على بناء مصنع ضخم للإسمنت، مع خطط للتصدير إلى سوريا، ووسم القضية ببعد سياسي، سلطت مجلة "ذا ناشيونال"، الإماراتية الناطقة بالإنكليزية، الضوء على هذا الملف من خلال تحقيقٍ أجرته في لبنان عن معركة وصفتها بأنها تجسد التنافس السياسي الطويل الأمد في البلد الصغير.
طموحات فتوش
يتطلع بيار فتوش، وهو رجل أعمال لديه اهتمامات في العديد من البلدان، بما فيها أرمينيا وجنوب السودان، لبناء أكبر مصنع للإسمنت في لبنان، بالقرب من قرية عين دارة الصغيرة، والتي لا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف، ولكنها تقع في موقع استراتيجي بالقرب من طريق بيروت - دمشق السريع.
تشير المجلة بأن فتوش، يراقب السوق السورية، بعد أن تباطأت عمليات البناء في لبنان، بسبب أزمة قروض الإسكان في السنوات الأخيرة. وهو تربطه علاقات جيدة بأسرة الأسد الحاكمة، ويتطلع لأن يكون شريكاً في إعادة الإعمار. وقد واجه مشروعه الطموح منذ البداية مقاومة شرسة، ففي عام 2015 حاول فتوش بناء المصنع في مدينة زحلة البقاعية. وبعد أن واجه اعتراضاتٍ كبيرة، بسبب المخاوف البيئية، انتقل مخطط البناء إلى قرية عين دارة.
معركة سياسية
لكن ما بدأ في الفترة الأخيرة، حسب المجلة، باحتجاجات مجموعة من القرويين المعنيين في عين دارة على الفساد والتدهور البيئي، تحول إلى معركة سياسية، بين السياسيين المؤيدين والمناهضين للنظام السوري. وهذا ظهر مع انتقاد الزعيم الدرزي اللبناني الأبرز، وليد جنبلاط، النظام السوري وفتوش، واصفاً مشروع مصنع الإسمنت بأنه "جريمة بيئية"، ومتهماً فتوش بأنه ينفذ مصالح الأسد في لبنان.
ازدادت حدة الاتهامات المتبادلة حول مصنع الإسمنت، قبل أسبوعين. فقد اتهم وزير الصناعة وائل أبو فاعور، فتوش، بتأليب الزعماء الدروز ضد بعضهم البعض. وفي مقابلة إذاعية، قال "هناك معركة بيننا وبين النظام السوري.. لسوء الحظ، يتم استخدام بعض المرتزقة اللبنانيين من قبل فتوش تحت ستار الموظفين لخلق فتنة في الجبل".
ويبدو أن هذا التوتر سيتصاعد في المرحلة المقبلة، إذ أن أبو فاعور قام في أواخر آذار الماضي، لأسباب صحية وبيئية بإلغاء التصريح الخاص بمصنع الإسمنت، الممنوح من قبل سلفه وزير حزب الله حسين الحاج حسن. لكن في تحولٍ مذهل، أصدر مجلس شورى الدولة في شهر نيسان، قراراً قضائياً قضى بـوقف تنفيذ قرار وزير الصناعة وائل أبو فاعور، وأعطى فتوش الضوء الأخضر لبناء مصنعه.
التفاخر بالأسد!
دفعت هذه الأحداث التي تأخذ طابعاً بيئياً وسياسياً، المجلة الإماراتية لإرسال فريق تحقيق في أواخر نيسان الماضي، لزيارة عين دارة والمقالع والكسارات المحيطة بها، وأثناء تجولها برفقة رئيس بلدية عين دارة السابق فؤاد هيدموس، شاهدت المجلة كيف قامت بلدية عين دارة بإلقاء أكوام من الرمال على ارتفاع عدة أمتار لمنع فتوش من جلب الآلات لبدء بناء مصنع الإسمنت.
خلال اجتماع قصير في وقت سابق من ذلك اليوم في زحلة، بعد مؤتمر صحافي عقده أخوه السياسي المعروف نقولا فتوش، نصح بيار فتوش المجلة بشدة بعدم زيارة عين دارة، قائلاً "إن ذلك ليس آمناً لأن رجال جنبلاط أغلقوا الطريق". كما ادعى أن هناك متشددين من تنظيم داعش في المنطقة، وهو ادعاء أثار استغراب المجلة، لأن آخر جيوب لداعش في لبنان تم القضاء عليها قبل عامين، وكانت على بعد حوالى 100 كيلومتر شمال شرق عين دارة، بالقرب من الحدود السورية.
وعند سؤاله عن مشروع الإسمنت، رفض بيار فتوش مناقشة المشروع الخاص به بالتفصيل مع المجلة، وهذا ما دفع أخيه نقولا فتوش للتدخل، متهماً جنبلاط بمعارضة خطط شقيقه خوفاً من المنافسة. مضيفاً "إنه لشرف كبير أن نكون أصدقاء لبشار الأسد الذي حارب الإرهاب في بلاده".
خيبة أمل
تداخل الأمور البيئية والسياسية، يزيد - حسب المجلة - من تعقيد الأمور، وحتى أن التحليلات العلمية تخضع للاصطفافات السياسية. وهذا ما ظهر جلياً عندما رفض النائب عن كتلة "الوسط المستقل" نقولا نحاس، مدير شركة "ترابة سبلين" حتى عام 2010، في حديث مع المجلة، الادعاءات عن التلوث، مؤكداً أن الشركة لديها أصغر مصنع للإسمنت في البلاد. كما رفض هذا الأخير أي علاقة مع النظام السوري بقوله "طالما أن الأسد في السلطة، فإن شركة "ترابة سبلين" المحسوبة على وليد جنبلاط لن تصدر إلى سوريا".
هذه المعطيات تسببت بخيبة أمل كبيرة لدى أهالي القرية، بسبب التحول السياسي الذي اتخذه مشروع مصنع الإسمنت، وقد عبّر بعض سكان عين دارة للمجلة عن رغبتهم بإخراج جميع السياسيين من الصورة. ومن جهته، يقوم حسن زيتوني، وهو مدرس تاريخ وناشط بيئي محلي، بحملات لإغلاق الكسارات والمقالع، والاستثمار في السياحة البيئية لزيادة دخل القرية، التي على الرغم من موقعها الاستراتيجي بالقرب من طريق سريع ومحمية الشوف البيئية، لا يوجد فيها مطعم أو فندق واحد.
يعتقد زيتوني، في نهاية التحقيق، أن الاحتمالات لا تزال في صالح معارضي مصنع الإسمنت. لكن مع دعم حزب الله والنظام السوري لعملية البناء، يمكن أن يتغير ميزان القوى في أي لحظة، ما يفتح مجالاً تجارياً مربحاً لفتوش ويدعم النفوذ السوري في منطقة الشوف.
المصدر: المدن