قبل أيام، تحدّثت معلومات عن إجراء حزب الله لانسحاب سرّي لقواته، من العاصمة دمشق ومحيطها باتجاه القلمون والزبداني. لكن هذه المعلومات ليست الأولى من نوعها، خصوصاً أن الحزب عمل على إجراء العديد من عمليات إعادة التموضع على امتداد الجغرافيا السورية، بعدما تغيّرت خريطة المعارك العسكرية هناك. فأكثر من عملية انسحاب من مناطق حساسة أنجزها الحزب في الفترة السابقة، بعد انتفاء الحاجة لإبقاء قواته فيها، طالما أن المعارك قد وضعت أوزارها، وحقق فيها ما أراد.
ميليشيات موالية
بطبيعة الحال، فإن الواقع الذي أصبحت عليه سوريا، لم يعد بحاجة إلى هذا الكمّ الكبير من المقاتلين والوحدات على أراضيها. ما دفع الحزب إلى إعادة الكثير من مقاتليه إلى لبنان، ويمكن ربط عملية سحب القوات مع انتفاء الحاجة العسكرية إليها، ومع العقوبات التي فرضت على الحزب، التي تجبره على اتخاذ إجراءات وقائية وتقشفية.
قبل أشهر، ومع بدء بروز مفاعيل العقوبات، نفذ حزب الله أول عملية إعادة تموضع، من مناطق بمحيط حلب، وإدلب، وشرق سوريا، وحتى حمص، باتجاه غرب سوريا، والعاصمة دمشق. وأصبح ثقل وجوده وتمركزه يتمحور في محيط العاصمة، وريفها، والقلمون وصولاً إلى ريف حمص من الجهة اللبنانية، وتحديداً مدينة القصير، التي أصبحت قاعدة عسكرية أساسية وكبرى له. لكن إعادة التموضع هذه، لا تعني أن الحزب ترك نقاطه السابقة بشكل كامل، إنما احتفظ بنقاط مراقبة أو فرق إستشارية عند كل نقطة حساسة، على نحو يشرف مسؤول من قبله على مجموعات سورية أصبحت هي الممسكة بزمام الأمور على الأرض.
ينتهج حزب الله في سوريا، بالتكافل مع إيران، النموذج نفسه الذي اتبعته طهران مع حلفاء لها بالعديد من دول المنطقة، ومن بينها لبنان ودور الحزب فيه، أي تعزيز أدوار أبناء المنطقة الأصليين، مقابل الإشراف عليهم ودعمهم ومساعدتهم. فطهران كما حزب الله يعلمان بأن البقاء هناك لن يكون طويلاً أو أبدياً. والغاية الأساسية تبقى بالحفاظ على النفوذ والتأثير. وبذلك، يخفف الحزب وإيران من الأعباء والتكاليف المالية والبشرية، مقابل الاحتفاظ بالقوى الموالية التي تصون مناطق النفوذ، وتضمن الحضور في أي مفاوضات تنطلق للبحث عن حلّ للأزمة السورية.
ضربة إسرائيلية نوعية
بعد أيام على تلك الانسحابات الأخيرة من العاصمة دمشق باتجاه القلمون، برز توتر إيراني روسي جديد، على خلفية مطالبة موسكو لطهران بضرورة سحب قواتها من بعض مناطق شرق سوريا. وبعد الإنسحابات بساعات، تعرّضت مواقع للحزب في محيط العاصمة السورية، لضربة نوعية من قبل الإسرائيليين. تتحدث المعلومات عن أن الضربة هذه المرّة حققت أهدافاً مباشرة في العتاد والأرواح، واستهدفت قافلة لنقل الأسلحة، بالإضافة إلى موقع حساس. وهذا مؤشر يعيد التذكير بالضربات الأولى التي كانت إسرائيل توجهها لقوافل الحزب، والتي كانت تعتبرها متجهة نحو لبنان. ما يعني أن تل أبيب تريد التأكيد أن هدفها الأساسي هو طريق إمداد حزب الله من سوريا إلى لبنان. ولذا، يمكن الاستنتاج أن إعادة الانتشار لحزب الله لها أهداف حمائية أيضاً، تجنباً لأي ضربات أخرى باتت محتملة جداً بعد لقاء تل أبيب الثلاثي وتفاهماته (الروس والإسرائيليون والأميركيون). والانسحاب نحو القلمون هو بسبب ميزة تضاريس المنطقة، وما تحويه من مغاوره، وطبيعتها الصعبة والوعرة، قد تشكل عنصر حماية لأسلحة الحزب من الغارات.
تخوم الجولان
حسب ما تؤكد معلومات متابعة، فإن حزب الله لديه خطة جاهزة لسحب أغلب قواته من سوريا. وهذه الخطة ستطبق على مراحل من الآن إلى نهاية السنة. لكن في المقابل، لن يكون ذلك على حساب نفوذ الحزب وتأثيره هناك، بل سيبقى في مناطق حساسة وأساسية، في العاصمة دمشق، أو في محيط السيدة زينب، أو في ريف حمص، عبر الاحتفاظ بنقاط مرابضة لقيادييه، الذين سيتناوبون المهام في تلك المواقع بالتعاون مع مقاتلين سوريين. وسيبقى الهدف الأهم، بالنسبة إلى الحزب في هذه المرحلة، هو الحفاظ على أكبر عدد من المقاتلين في الجنوب السوري، على تخوم الجولان، لأهداف استراتيجية رغم كل الضغوط والأثمان. فورقة الجنوب السوري ستكون بالغة الأهمية، ومصدر قوة بيده، في حال تصاعد المواجهة بين واشنطن (وتل أبيب) وطهران.
يسعى الحزب لأن يبقي هذه المنطقة خاضعة لسيطرته، كما هو الحال في جنوب لبنان. هي فائقة الأهمية سواء فيما يتعلق بـ"مواجهة صفقة القرن" وتعطيلها، أو بـ"مواجهة حرب إسرائيلية" أو بما يساعد إيران في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة.
حالياً، الستاتيكو السوري سيبقى ثابتاً، ولا حاجة لقتال فيه من قبل إيران أو الحزب، إنما الحاجة والاستفادة ستكون في وجهات أخرى، أبرزها الحدود الإسرائيلية والداخل الفلسطيني وطريق طهران -بغداد - دمشق - بيروت، ونفوذ إيران في المنطقة.
منير الربيع - المدن