خلصت مناقصة استقدام محطات عائمة لاستيراد الغاز الطبيعي، والتي أطلقت في أيار 2018، إلى "فض العروض المالية لمناقصة إنشاء محطات تغويز عائمة، لاستيراد الغاز الطبيعي المسال "FSRU". وحضرت الشركات العالمية الست المؤهلة للمشاركة"، وفق ما غرّدت به وزيرة الطاقة ندى بستاني، على حسابها على موقع تويتر، يوم الثلاثاء 2 تموز 2019. لكن النتائج السعيدة التي أعلنتها بستاني، لم تستطع إخفاء علامات الاستفهام المطروحة حول تفاصيل المناقصة، والتي لم تبادر الوزارة إلى توضيحها رغم سؤال "المدن" عنها.
محطة للمسيحيين؟
احتاج التوافق السياسي على استقدام المحطات العائمة، أكثر من سنتين، ليصل إلى صيغة ترضي الأطراف المستفيدة من مشروع الاستقدام. ولمعرفة هوية المستفيدين، يكفي النظر إلى الجهة التي تحكم وزارة الطاقة. إذ بيدها تُدار كل مشاريع الوزارة، بعيداً عن القنوات القانونية لمشاريع الدولة.
فض العروض المالية للمناقصة، لم يكن ليحصل لولا نزول الأطراف السياسية في مجلس الوزراء عند رغبة التيار الوطني الحر، باستقدام محطة عائمة في "المناطق المسيحية". وهذا المسار يتوافق مع ما أعلنه وزير الخارجية، جبران باسيل، يوماً، بأن وزارة الطاقة هي ضمانة لحقوق المسيحيين، خصوصاً وأنها وزارة الوصاية على حقول النفط والغاز في البحر. وعليه، فإن التيار البرتقالي عرقل إتمام المناقصة في العام 2016، لأن دفتر شروطها كان يحصر المشروع باستقدام محطة واحدة، تحدد الجهة الفائزة بالمناقصة مكان رسوّها، استناداً إلى المعطيات العلمية والعملية على أرض الواقع. وذلك يتناقض مع ما يريده التيار، فكان مصير المشروع معلقاً، لحين موافقة الحكومة على استقدام ثلاث منصات تتوقف في البداوي والزهراني وسلعاتا.
التفلّت من الرقابة
المنطق الطائفي والمناطقي الذي سارت وفقه مناقصة المنصات، لا ينفصل عن منطق استقدام بواخر الطاقة، ولا عن منطق توزيع المعامل البرية التي ستُبنى مستقبلاً، خصوصاً في سلعاتا والحريشة. واللافت في لغة التقسيم تلك، هو ابتعادها عن أبسط القواعد القانونية التي كان يمكنها أن تُجمِّل الركيزة الفئوية، على اعتبار أنها بقيت تحت سقف القانون. لكن الهندسة الخارجة عن المألوف، تابعت طريقها نحو إجراء مناقصة خارج قواعد المحاسبة العمومية، وبعيداً عن إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، لضمان التفلّت من الرقابة، وتالياً المحاسبة. فجَرَت المسألة، وكأنها إجراء روتيني بسيط تقوم به وزارة الطاقة، يقضي بالسماح لمنشآت النفط بالحلّ والربط، وإجراء المناقصات. وانطلاقاً من تلك الصلاحيات، جرى فض العروض بحضور المدير العام لمنشآت النفط سركيس حليس، ورئيس هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط، إلى جانب مستشار وزيرة الطاقة، داني سماحة.
وفي السياق، تلفت مصادر متابعة للملف، النظر، إلى أنه "من غير القانوني إجراء منشآت النفط لهذه المناقصة، بل مثل هذه المناقصة يجب أن يتم في إدارة المناقصات". وتضيف المصادر في حديث لـ"المدن"، أنه "من غير الممكن لمنشآت النفط إجراء هكذا مناقصة، لأنها ليست مؤسسة عامة، ودورها يقتصر على تشغيل المنشآت، وليس تشييدها أو استقدامها في حال كانت معامل عائمة".
ولوضع النقاط على الحروف، ترى المصادر أن "على القضاء الإداري والأجهزة الرقابية التدخل لوضع حد لما يحصل. فعلى أحدهم تقديم شكوى للقضاء الإداري ليبدأ التحقيق في الكثير من النقاط، أهمها معايير التأهيل وهوية الجهات التي نظّمت هذه المناقصة، وكيفية الإعلان عنها، وتلك التي شاركت فيها". وأسِفت المصادر إلى عدم إمكانية تحرك القضاء الإداري من تلقاء نفسه ومن دون تقديم شكوى، حتى لو كانت القضية واضحة ومعروفة.
وتجدر الإشارة إلى أن لجنة الإدارة والعدل النيابية كانت قد تلقّت غير مرّة، طلباً لإعطاء إدارة المناقصات الحق القانوني للتقدم بدعاوى وطعن أمام القضاء الإداري. لكن لم يحدث تقدّم على هذا المستوى. وبالتوازي، لم تظهر أي بوادر إيجابية على صعيد تحرك التفتيش المركزي، ذلك أن أي طعن قد تتقدم به إدارة المناقصات، سيمر بمصفاتين، الأولى لدى رئاسة التفتيش، والثانية لدى هيئة الإستشارات. أما جواب الطرفين، فهو "عدم إمكانية حصول الطعن، لأنه في تلك الحالة، الدولة تطعن بنفسها، أي أن مؤسسة تابعة للدولة تطعن بإجراءات شرّعتها وزارة تابعة للدولة"، وهذا ما تستغربه القنوات التي تدور في فلك أحزاب السلطة، فهي لم تعتَد التدقيق والمراقبة والمحاسبة.
خضر حسان - المدن