قبل أيام، ردّت مصادر القصر الجمهوري على انتقادات تتعلّق بآلية التعاطي مع جلسات مجلس الوزراء، خصوصاً حول موضوع التعيينات والجلسات التي تعقد في قصر بعبدا وتلك التي تعقد في السراي الحكومي. فمنذ إبرام التسوية الرئاسية جرى توافق ثنائي ضمني، على عقد الجلسات الحكومية المهمة، وتلك المدرج على جدول أعمالها بنوداً "دسمة"، في قصر بعبدا. بينما تعقد الجلسات العادية في السراي الحكومي. وبعد انتخاب مجلس النواب لأعضاء المجلس الدستوري، كان من المفترض أن يتم تعيين الأعضاء الخمسة الآخرين في جلسة لمجلس الوزراء، لكن تلك الجلسة عقدت في السراي الحكومي. علماً أنه لا يمكن للجلسات التي لا تعقد بحضور رئيس الجمهورية، أن تقر مثل هذه التعيينات، بموجب المسار السائد منذ "التسوية".
تهميش الحكومة
تعقيباً على ذلك، برزت اعتراضات من بعض القوى حول تعمّد تهميش عمل الحكومة وحصر القرارات الأساسية بحضور رئيس الجمهورية، أو "ترأسه للجلسة". هذا الكلام الانتقادي الذي دار في الكواليس السياسية، حتّم رداً علنياً من قبل مصادر القصر الجمهوري التي قالت: "إن الرئيس لن يكون خيال صحراء"، وبالنظر إلى بعض مواد الدستور حول آلية انعقاد جلسات مجلس الوزراء، فإن المادة 53 من الدستور، تنصّ على أنّ رئيس الجمهورية "يترأس مجلس الوزراء عندما يشاء من دون أن يصوّت". وفي المادة 64 من الدستور، نصّ البند السادس على أنّ رئيس مجلس الوزراء "يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد ويضع جدول أعماله".
مخالفة الدستور
وفق اتفاق الطائف، الجزء "ج" منه، البند الأول، فإنّ رئيس مجلس الوزراء "يرأس مجلس الوزراء"، وفي البند السادس: "يدعو مجلس الوزراء للانعقاد ويضع جدول أعماله، ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمّنها، وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث، ويوقّع المحضر الأصولي للجلسات". وفي الجزء "د" من اتفاق الطائف، البند السادس: "عندما يحضر رئيس الجمهورية يترأّس جلسات مجلس الوزراء، ويجتمع دورياً في مقر خاص". لكنّه يوضح في البنود الخمسة الأولى أنّ للمجلس صلاحيات "1- وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم، واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها. 2 ـ السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء. 3 ـ إن مجلس الوزراء هو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة. 4 ـ تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون".
وبالتالي فإنّ حصر التعيينات وحصر أيّ صلاحية من صلاحيات المجلس المنصوص عليها في الدستور، بوجود رئيس الجمهورية، هو مخالفة صريحة للدستور واحتيال عليه. والأهم من كل ذلك، أنه في المادة 65 ينصّ البند الخامس على أنّ مجلس الوزراء "يجتمع دورياً في مقرّ خاصّ، ويترأّس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر". المقرّ الخاص لمجلس الوزراء معروف، لكن يتم عقد الجلسات منذ سنوات في بعبدا أو في السراي الحكومي، وهذا أيضاً يُعد مخالفة للدستور.
وفي حال استحضار بند: "السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء". فهنا لا بد من التعليق على الصلاحيات التي يتخذها المجلس الأعلى للدفاع بعيداً من الحكومة، سواء في ما يخص البحث في موازنة الأجهزة الأمنية والعسكرية والتدبير رقم 3، او في ما يخص القرار الذي اتخذ في أحد اجتماعاته حول وجوب اتخاذ إجراءات بحق اللاجئين السوريين أو العمال الأجانب ومحالهم والتوجه إلى إقفالها. فمن اتخذ القرار هو المجلس الأعلى للدفاع وليس مجلس الوزراء، وهذا فيه مخالفة صريحة للبند الآنف الذكر.
لا استقالة
مناسبة هذا الكلام، لا تنفصل عن اجواء يتم تسريبها عن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يريد، بعد ما حصل في الفترة الأخيرة، اتخاذ موقف واضح قد أبلغه لرئيس الجمهورية، بأنه لا يريد أن يستقيل ولكنه لن يرضى بعد اليوم باستمرار الممارسات التي تصدر عن وزير الخارجية جبران باسيل. ما يعني أنّ الحريري أراد أن يتّخذ موقفاً يصل إلى حدّ التلويح بالاستقالة، رداً على التصرفات التي يتعرّض لها. وأيضاً هذا الكلام المسرّب لا ينفصل عن معلومة أخرى جرى تسريبها بأنّ الرجل لن يكون بعيداً عن إعادة النظر بالتحالفات، ملوّحاً بإمكانية العودة إلى تحالفه الأساسي مع الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية.
ويقابل كلام الحريري هذا، موقفاً إيجابياً من قبل "القوات" و"الاشتراكي" معاً. فتصرّ القوات اللبنانية على التفاهم والتحالف والتنسيق في العديد من الملفات وعلى رأسها ملف التعيينات، فيما سعى الرئيس نبيه بري إلى تهدئة التوتر بين المستقبل والاشتراكي، على أن يعقد لقاء بين الحريري ووليد جنبلاط يتم فيه التفاهم على بعض الأمور. بالنسبة إلى القوات، فهي تراهن على الاحتفاظ بحصة خاصة بها في التعيينات، مقابل سعي باسيل إلى ابتداع طريقة التنقيط في إقرار التعيينات، كي تحشر القوات ولا تجد لحصتها أي مكان غير بعض الفتات. أما بالنسبة إلى الاشتراكي فإن اللقاء يفترض أن يبرّد الأجواء من دون أن يحلّ المشكلة الأساسية العميقة.
الودّ لنادر الحريري
يوم حصل التوتر بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ، كان الكثير من مسؤولي التيار يترحّمون على أيام مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري. ويقولون إنه لو كان نادر موجوداً، لما حصل ما حصل. والمعروف أن نادر الحريري يحظى بودّ غامر من قبل باسيل ورئيس الجمهورية. وبالأمس كان باسيل يؤكد خلال جولته في منطقة الشحّار، بأنهم يرتكزون على تحالف متين وهذا ما يزعج الكثيرين. الرسالة واضحة وهادفة، وأراد الرجل إيصالها إلى المنزعجين من التحالف بين المستقبل والتيار.
عرف باسيل اختيار التوقيت لتمرير رسالته، إذ تكشف معلومات متابعة عن استعادة نادر الحريري لاتصالاته في بيت الوسط وفي السراي الحكومي. وهو قد بدأ بإجراء اتصالات بنواب كتلة المستقبل لعقد لقاءات معهم. وتفيد المعلومات بأن نادر بدأ استعادة عمله السابق إلى جانب الحريري بشكل تدريجي، وإن لم يعلن عن الأمر حالياً. وبحسب المعلومات فإن نادر الحريري سيعود من موقع قوة فارضاً شروطه بعد كل ما تعرّض له. وسيكون لهذا الإجراء تبعاته السياسية، ولكن الأهم لا بد من اكتشاف التطورات التي دفعت بالحريري إلى إعادة ابن عمّته إلى موقعه. فهل لكونه بحاجة إليه لمتابعة كل الأمور والتفاصيل التي كان يمسك بها حصرياً، أم لأنها تنطوي على أسباب سياسية من نوع آخر؟
منير الربيع - المدن