مع بدء العد العكسي للتعيينات الإدارية، يبرز دور التيار الوطني الحر في معركة يفترض أنها ستكون بعد الموازنة أول تحديات الحكومة. فكيف يتعامل التيار مع التعيينات؟
بعد اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير جبران باسيل، بدأ الحديث عن مرحلة جديدة من العمل الحكومي، وفي طليعتها بت ملف التعيينات، رغم أن هدف اللقاء كان يتعلق بترتيب العلاقة بينهما. وجاءت انتخابات المجلس الدستوري والكلام عن تعيين نواب حاكم مصرف لبنان، لتعطي مؤشرات عن تقدم هذا الملف، ولا سيما أن العهد يعوّل على هذه التعيينات كي تكون مؤشراً عن الصورة التي يريد أن يظهرها بشأن «اعتماد مبدأ الكفاءة بدل المحسوبيات».
الأكيد أن التيار الوطني الحر يخوض معركة التعيينات هذه، بحسب مصادره الرسمية الرفيعة المستوى، بفعالية بعدما خاض بنجاح معارك الرئاسة والانتخابات النيابية والحكومة. لأن ملء الشواغر الإدارية، والمراكز المسيحية الخالية حالياً، هو جزء لا يتجزأ من الهيكلية العامة للسلطة، وإحدى أدواتها الأساسية لتفعيل الإدارة والمحاسبة. لكن معركته «ليست من الباب الذي تصوره قوى سياسية تريد حصتها من التعيينات»، بحسب المصادر التي توجز نظرة التيار بالآتي:
أولاً، ليس صحيحاً أن هدف اللقاء مع الحريري الاتفاق على التعيينات. لأن مبدأ التعيينات متفق عليه سابقاً، وليس أمراً طارئاً. هذا عمل روتيني، يفترض القيام به، وهناك ضرورات يجب أن يباشر العمل عليها. وكلما تأخر الاتفاق في بتّها، زادت الشواغر وتضاعفت الضرورات. من هنا فإن الاتفاق على التعيينات لا التباس حوله ولم يبتّ خلال الاجتماع الأخير بينهما. لكن الفكرة الجديدة ــــ القديمة هي أن التيار الوطني الحر طرح فكرة المداورة الطائفية في المناصب. وهذه ليست المرة الأولى التي يطرحها، بل يكرر طرحها عند كل تعيينات، طائفياً ومذهبياً، وهو يؤمن بضرورة تحقيق ذلك. لكن القوى السياسية الأخرى لم توافق عليها. الحريري يوحي كأنه موافق عليها، لكنه لا يبادر الى تطبيقها. أما حزب الله والرئيس نبيه بري فلا يعطيان أي إشارة إلى أنهما يقبلان بها.
ثانياً، كل كلام عن المحاصصة بالمعنى السلبي يجب التوقف عنده. فأي تعيينات تستوجب الثلثين من الأصوات في مجلس الوزراء بحسب الدستور، وهذا يعني أن القوى السياسية يجب أن تتفق لبتّ التعيينات، وهذا أمر طبيعي وكان يحصل سابقاً. فمن تجمع عليه القوى السياسية من المستقبل الى أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات وغيرهم، سيعيّن، مهما كان انتماؤه. لكن المشكلة لا تكمن في اتفاق القوى السياسية، ووصفها بالمحاصصة، بل في هوية الأسماء التي تطرح. فما حصل في المجلس الدستوري مثال على ذلك لجهة بعض الأسماء التي رشحتها قوى سياسية. فاللذان اختارهما التيار وانتخبهما المجلس النيابي، شخصان مشهود لهما بالكفاءة، علماً بأن رئيس التيار الوطني لا يعرف أحدهما بتاتاً، لكن سيرته الذاتية هي التي جعلته مرشحاً مثالياً لهذا المنصب. وهذه النقطة يصرّ التيار الوطني على التمسك بها، أي معيار الكفاءة والنزاهة. لأن التيار يريد فرض رؤيته التي يتمسك بها على نوعية الإدارة التي يرغب بها. وهو يسعى في المقابل الى التخلي عن كل من يظهر لاحقاً أنه يسيء استخدام مركزه، وهذا ما حصل أخيراً في مناصب إدارية وقضائية كان يشغلها أشخاص غطاهم التيار ورفع الغطاء عنهم حالياً، ولن يكون عنده حرج في ذلك.
ثالثاً، لا يقبل التيار بسلة تعيينات كاملة. كلما توجّب الأمر إجراء تعيينات، يطرح الأمر على مجلس الوزراء. وكلما استدعت الحاجة الى ملء الشغور ستعتمد التعيينات. ومشكلة ملء الشغور هي الأهم في المرحلة الأولى، وخصوصاً في المناصب الإدارية المسيحية الشاغرة. لقد اعتادت قوى سياسية في سنوات سابقة وضع يدها على أي منصب مسيحي شاغر وعدم تعيين بديل منه أو تعيين بديل من طائفة أخرى. وهذا الأمر أصبح عادة لديها، لكن يفترض عاجلاً أو آجلاً التخلي عنها، وردّ الاعتبار الى التوازن في الإدارة وعدم تهميش المسيحيين فيها. وهناك إصرار من التيار على ضرورة إصلاح الوضع، مهما كانت مرتبة هذا المقعد درجة أولى أو ثانية، وممنوع من الآن وصاعداً حدوث شغور مسيحي في أي إدارة أو وزارة. هذا الأمر سيكون مثلاً في صلب إحدى المعارك الأساسية المقبلة. فحين طرحت تعيينات نائب حاكم مصرف لبنان، كان تأكيد على ضرورة بتّ هذا الملف في موازاة إصلاح الخلل في وزارة المال، وملء الشغور في عدد من مناصبها الإدارية، وتحديداً منصب مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان.
رابعاً، مشكلة التعيينات والمحاصصة المذهبية وتوزعها بين القوى المسيحية. هناك ثلاثة أطراف، هم: التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والمردة. المردة هم الأقل مطالبة نظراً الى نسبة تمثلهم وجغرافيته، ومطالبهم تتعلق بمناطق وجودهم أو وزارتهم. مشكلة القوات مشكلتان. الأولى أنها تريد أن تقول إنها تفرض تمثيلها كحصص بحجم ما تعتبره حقاً لها، بما لا يتناسب مع وضعها الحقيقي. هكذا أرادت أن تفرض الإتيان بماروني في المجلس الدستوري، كي تكرس مقولة أنها حصلت على مقعد ماروني فيه، من دون الأخذ في الاعتبار كفاءة هذا الشخص. وغير صحيح أنه تم الاتفاق على أن تأخذ هذا المقعد، لأن الموضوع لا يزال على بساط البحث، والأهم معرفة كفاءة الأسماء التي تقدمها القوات، لمعرفة إمكان الموافقة عليها، نظراً الى أن المجلس الدستوري يحتاج الى كفاءات لا الى مجرد ترشيحات، بصرف النظر عمن يقف خلفها. إضافة الى أن القوات لا ترفع الصوت احتجاجاً على المحاصصة وعلى شغل مناصب إلا حين يتعلق الأمر بدور التيار الوطني، فلا ترفع صوتها مثلاً عند أي كلام في التعيينات من جانب بري أو الحريري، ولا ترفع صوتها حتى للكلام عن شغور مسيحي في إدارات ووزارات غير تابعة للتيار الوطني الحر.
هيام القصيفي - الأخبار