لعلّ الأسئلة الكثيرة التي طرحها الطلاب على رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين، الدكتور يوسف ضاهر، على هامش الاعتصام الذي دعا إليه "تكتّل طلاب الجامعة اللبنانية"، أمام وزارة التربية يوم الإثنين 27 أيار، توضح هواجس هؤلاء الطلاب المستقلّين من أجل استعادة دور الحركة الطلابية التغييري في "جامعة الوطن". فبعد الاعتصام الذي انتهى بمسيرة انطلقت من أمام مبنى الوزارة وحطّت في بهو كلية الإعلام، بدا واضحاً من أسئلة الطلاب، خوفهم من تخاذل الأساتذة وعدم الوقوف إلى جانبهم في مطالبهم الطلابية، لتغيير ظروف الحياة الجامعية، وأن تكون تحركّاتهم التي ساندوا فيها الأساتذة، مجرّد ورقة ضغط يستخدمها هؤلاء لعدم مسّ السلطة برواتبهم وحسب، فتضيع جهودهم من دون تحقيق مطالبهم الطلابية لتحسين أوضاع جامعتهم. خوف بدا على وجوههم رغم محاولات ضاهر الكثيرة تبديد هواجسهم، ليس لناحية دعوتهم للتكتل وإحداث التغيير المطلوب، بل لناحية تطمينهم بعدم ضياع العام الدراسي، بعد إضراب الأساتذة لأكثر من أربعة أسابيع.
مكاتب تربوية ضد الجامعة
أمام تخاذل جميع المكاتب التربوية لأحزاب السلطة، التي عملت على ثني طلابها عن المشاركة في التحركات الطلابية، لم يجد الأساتذة إلّا الطلاب المستقلين وأولئك القادمين من خلفيات يسارية، للوقوف إلى جانبهم في إضرابهم المفتوح. وبعكس طلاب "المكاتب التربوية"، الذين عملوا على بث الشائعات عن مخاطر إضراب الأساتذة على مصير العام الدراسي، ضمّ الطلاب المستقلون صوتهم إلى صوت أساتذة الجامعة، وهتفوا "دكاترة وطلاب.. رح نكمّل بالإضراب"، مباركين خطوة الأساتذة هذه، في محاولة لرفع سقف المطالب كي لا تبقى محصورة في عدم المسّ بالرواتب والتقديمات الاجتماعية.
هي محاولة من هؤلاء الطلاب لاستعادة دور الحركة الطلابية التي كانت قبل الحرب الأهلية، كم دّلت الهتافات والشعارات في الاعتصام، المتمحورة على ضرورة عودة الطلاب إلى العمل السياسي وإلى الشارع من أجل إحداث التغيير المطلوب. وإذ شدّد الطلاب على استقلاليّتهم وأنهم لا "يدارون بالريموت كونترول"، وبأنّ تحرّكم نابع من خوفهم على مستقبل الجامعة، التي تريد السلطة ضربها، إلا أنّ الحشد الطلابي في الاعتصام وفي المسيرة بدا أقل زخماً من تحرك وتظاهرة يوم الجمعة الفائت. وهذا يدلّ على أنّ المكاتب التربوية تمكّنت من ثني الطلاب عن المشاركة، بذريعة الخوف على العام الدراسي ومستقبلهم الأكاديمي. ما استدعى من رئيس الرابطة ضاهر التشديد في كلمته على تاريخ الحركة الطلابية في الجامعة ومحاولات أجهزة السلطة ضربها مراراً، كما تعمل حالياً معهم. وإذ أثنى على مطالبهم، حذّر من أنّ السلطة لن تنجز أيّ منها في حال عدم تشكيل نواة لحركة طلابية مستقلة، للضغط من أجل تحقيق المطالب. وهذا الأمر يستدعي العمل على توحّدهم خلف مطالبهم، خصوصاً أنّ حراك الأساتذة مهما كان كبيراً، يبقى صغيراً أمام كلمة موحّدة من 80 ألف طالب يتعلّمون في الجامعة اللبنانية، وفق ضاهر.
مطالب طلّابية
في وقفتهم مع أساتذتهم ومع جامعتهم عاد الطلاب وأكّدوا أنّ "انتماءهم الجامعي أكبر من مؤامرات السلطة"، منددين بالوزراء الذين يريدون تخفيض موازنة الجامعة، وبأنهم "يحتكرون التعليم لأولادهم" في الجامعات الخاصّة. وغمزوا من قناة وزير التربية الذي يريد شراء كاميرات لمراقبة الامتحانات في المدارس الرسمية بملايين الدولارات، بينما لا يعمل على دعم الجامعة وتجهيزها بالمستلزمات الضرورية، لتأمين مستوى تعليمي أفضل. وأكّدوا في كلمتهم على استرجاع استقلالية الجامعة الأكاديمية والمالية والإدارية، ورفع ميزانيّتها عوضاً عن المس بها وتخفيضها. وإذ طالبوا بعدم المسّ برواتب الأساتذة والمتقاعدين وبحقوق المتعاقدين بالتفرّغ، أكّدوا على حقق الطلاب بتجهيز المجمّعات الجامعية بكل ما تحتاجه من مختبرات، ومعدّات وسكن جامعي ومطاعم، وبناء مجمّعات جديدة، وإجراء الصيانة الدورية للمتواجدة حالياً. كما طالبوا بعودة الحياة الديموقراطية إلى الجامعة، من خلال انتخابات طلابية عادلة قائمة على النظام النسبي، لتمثيل جميع التوجّهات السياسيّة الطلابيّة.
رفض تمنيات أيوب
في الوقت الذي كان رئيس الرابطة ضاهر يشجّع الطلاب على الاستمرار بالإضراب المفتوح، محاولاً تطمينهم أنّ العام الدراسي ليس في خطر، أصدر رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور فؤاد أيوب بياناً، تمنّى فيه على رئيس الرابطة وأعضائها العودة عن قرار الإضراب المفتوح، خصوصاً أن وزير التربية أكّد أن لا خفض لموازنة الجامعة اللبنانية، وأن لا أحد يريد المس بموازنة الجامعة أو رواتب أساتذتها أو موظفيها. وعلّل طلبه أيضاً بوجود هواجس لدى الطلاب بضياع العام الدراسي كما تبيّن له، بعدما التقى بممثلين عن المنظمات الشبابية ومجالس الطلاب. لكن المكتب التنفيذي للرابطة لم يستجب لدعوات أيوب وأكّد في اجتماعه الطارئ على الاستمرار في الإضراب المفتوح. وتمنت عليه "مؤازرة الرابطة في تحركها المتصاعد وإصدار بيان تأييد للتحرك وللمطالب المحقة، بدلاً من خرق الإضراب وإصدار بيان التمني بوقفه. خاصة وأن الرئيس تَحَسّر عدة مرات على تخفيض الموازنة المستمر، والذي بلغ السنة الفائتة حسب قوله 40 مليار ليرة".
وأعلنت أنه لم يتم الاستجابة إلى المطالب الأساسية للأساتذة، التي انطلق تحركهم من أجلها قبل ثلاثة أشهر. وأن تحرّك الأساتذة لم يكن متوقفاً على تخفيض ميزانية الجامعة، بل هناك مطالب قديمة للأساتذة تتمحور حول منحهم ثلاث درجات إضافية، كي تصبح رواتبهم متوازنة مع بقية القطاعات العامة، وإضافة خمس سنوات على خدمة الأساتذة، التي لا تصل إلى 40 سنة، وضمّ المتفرغين إلى الملاك وتفريغ المتعاقدين. ووفق مصادر في المكتب التنفيذي، جميع الأساتذة كانوا متفقين على الإضراب، رغم جميع الضغوط التي تمارسها الأحزاب السياسية على ممثليها داخل الرابطة، وفكّ الإضراب لن يحصل قبل البتّ بهذه المطالب، وسيصدر بيان تفصيلي حولها في اليومين المقبلين.
تجدر الإشارة إلى أن ثمّة محاولات جرت لإفشال تحرّك الأساتذة. إذ عمد البعض إلى بث شائعات عن فكّ الإضراب، ما استدعى من رئيس الرابطة إلى إرسال رسائل صوتية، بعد الاجتماع الذي عقدته الرابطة، إلى جميع الأساتذة ينفي فيها الشائعات، معلناً الاستمرار بالإضراب.
وليد حسن - المدن