السلاح لمواجهة التوطين: لبنان أسير "صفقة القرن" وإيران

السلاح لمواجهة التوطين: لبنان أسير "صفقة القرن" وإيران
السلاح لمواجهة التوطين: لبنان أسير "صفقة القرن" وإيران

ثلاثة ملفات متصلة بالتطورات الإقليمية والدولية، تبدو داهمة على الساحة اللبنانية، في المرحلة المقبلة. ملفات متداخلة ومتشابكة ببعضها البعض: من ترسيم الحدود وفق المبادرة الأميركية، والإصرار اللبناني على تلازم مساريّ الترسيم براً وبحراً، وارتباط ذلك بعملية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، كما بضبط المعابر غير الشرعية وإخضاع المناطق الحدودية (مع سوريا) إلى مراقبة دولية، وصولاً إلى موضوع توطين مئة ألف لاجئ فلسطيني، كما هو متداول في بعض الكواليس. وبالطبع، لا تنفصل هذه الملفات عن صفقة القرن، والمؤتمرات العديدة التي ستعقد لأجلها، وعلى رأسها "مؤتمر البحرين لتحقيق الإزدهار والسلام في منطقة الشرق الأوسط".

إغراءات مؤتمر البحرين
حتى الآن لم يتلق لبنان أي دعوة رسمية للمشاركة بهذا المؤتمر. ولا توجد إجابة شافية أو واضحة عن سبب عدم توجيه الدعوة. ولا أحد قادر على تأكيد إمكانية توجيهها. إذ أن المعلومات تشير إلى أنه حتى لو وجّهت الدعوة إلى لبنان، فهو سيعتذر عن المشاركة. أولاً، انسجاماً مع موقفه الثابت مبدئياً وسياسياً ودستورياً في دعم القضية الفلسطينية (خصوصاً ببند عودة اللاجئين)، بمواجهة صفقة القرن، وثانياً لأن السلطة الفلسطينية غير راضية عن هذه الصفقة، كما بعض الدول العربية.

تفيد المعلومات، أن لبنان تلقى وسيتلقى العديد من الإغراءات للمشاركة في هذا المؤتمر. لكن بطريقة غير رسمية. وفقط، إذا ما تم التماس نية لبنانية إيجابية للمشاركة، حينها يمكن أن توجه الدعوة جدّياً ورسمياً. ومن بين تلك الإغراءات التلويح بإنقاذ لبنان من أزمة المديونية التي يعانيها، بالإضافة إلى نيله مساعدات مالية هائلة، تريح اقتصاده ووضعه الداخلي. بلا شك، هذا لن يكون مجانياً، بل ثمة شروط ستفرض في المقابل، أولها يتعلقّ بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وثانيها يرتبط بالبحث عن استراتيجية دفاعية، لأن إنجاز ملف ترسيم الحدود، والشروع في عمليات التنقيب عن النفط، يجب أن يرتبطا بإلغاء المظاهر المسلحة في تلك المناطق، وتكريس مفهوم "السلم والأمن" على تلك البقعة الجغرافية وجوارها.

رد نصرالله
التقط الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تلك الإشارات، وتناولها في خطابه لمناسبة عيد المقاومة والتحرير. ولذلك، أعاد تجديد التأكيد بحق لبنان في المقاومة لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر، كما شدد على رفض التوطين. وهذا يعني بشكل واضح أن لبنان لن يسلك مسار التطبيع مع تلك الصفقة. بما يعني أن كل الإيجابيات التي تظهر في ملف ترسيم الحدود، قد تتبدد بسهولة. بل هناك اعتراضات كثيرة ستعرقل هذا الترسيم، بسبب تطور النزاع بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، كما بسبب الحال القائمة في سوريا، حيث يسعى النظام السوري إلى إعادة تعويم نفسه عربياً ودولياً وفرض معادلة الابتزاز مجدداً على "الساحة" اللبنانية، ورغبته في عرقلة أي مسار إيجابي في لبنان، عبر إعادة التذكير بـ"تلازم المسار والمصير" بين لبنان وسوريا، ممسكاً بورقة عدم إنجاز عمليات ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا.

ورقة المخيمات الفلسطينية
تفيد المؤشرات السياسية، إلى أن بنود "صفقة القرن"، ومواجهة خطر توطين اللاجئين، هي التي ستكون طاغية في المرحلة المقبلة، بما يكتم الشعارات المطالبة بنزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، وبسط سيطرة الدولة اللبنانية عليها. ما يعني العودة إلى "لعبة" إبقاء السلاح الفلسطيني (ومنظماته) إنسجاماً مع شعار "النضال من أجل حق العودة"، ومع سياسة "بقاء السلاح لمواجهة التوطين".

لطالما شكلت القضية الفلسطينية تاريخياً، عنواناً نضالياً، اتخذ كذريعة تُستغل لتحقيق السيطرة على السلطة، مقابل تهميش القضية الفلسطينية كلياً. وهذا ينطبق على مختلف الأنظمة العربية، القومية والإسلامية، وفي مرحلة ما بعدها أيضاً. كما ينطبق على كل من رفع شعار القضية الفلسطينية، من نظام البعثين العراقي والسوري، إلى أنظمة ليبيا والجزائر وغيرها. وكذلك بالنسبة إلى القوى الإسلامية التي كانت على رأسها إيران. لم تهضم التجربة القومية وتستفيد منها أو تتجاوزها، بل أعادت تكرارها، عبر إطالة طريق القدس من جنوب لبنان إلى حلب.  

كل السلوك اللبناني في الفترة الماضية، ومنذ العام 1982، كان قمعياً تجاه الفلسطينيين، ومشدداً الخناق عليهم. ولطالما شكّل الاستثمار في الانقسام الفلسطيني عنواناً أساسياً، لقوى الممانعة، وصولاً إلى الحديث عن ضرورة تصفية ياسر عرفات، والذي تعرّض لخطابات التخوين، ووصفه بالشرّ المستطير. هذا السلوك بالتأكيد لم يكن من أجل فلسطين ولا الفلسطينيين، وخير دليل على ذلك هو تعامل النظام السوري مع القضية الفلسطينية، والذي استخدم الفلسطينيين وتنظيماتهم ومخيماتهم وقوداً لسياساته و"مفاوضاته" وصفقاته.

بين إيران وأميركا
عند الحديث في السياسة وحساباتها، ستغيب مصلحة الفلسطينيين، أصحاب القضية، وستبقى فقط كشعارات لخدمة مشاريع أنظمة ومحاور إقليمية. هكذا مجدداً، ستتحول المخيمات و"مخاطر التوطين" و"قدسية البندقية الفلسطينية" و"التمسك بحق العودة".. ذريعة للهرب من طرح الاستراتيجية الدفاعية، وحينها سيكون حزب الله وحده القادر على "مواجهة التوطين". بل وسيضيف إلى ذلك "شرعية" جديدة لسلاحه، لا فقط في منع توطين الفلسطينيين، وإنما أيضاً رفض توطين اللاجئين السوريين. وبالتالي، كل ما يجري الآن يندرج في خانة تحضير مناخ سياسي ينسف البحث في الاستراتيجية الدفاعية.

وبما أن لعبة الضغوط مستمرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، من دون أن تصل إلى معركة كسر العظم، أو التورط في مواجهات انتحارية.. فستبقى أشبه تبادل اللكمات، التي تقتضي استخدام سياستين مختلفتين، أي التصعيد في مواجهة التوطين، مقابل التسهيل بمفاوضات ترسيم الحدود. مفاوضات قابلة للشد والرخّي، وفق الحاجة السياسية. وهي جزء من أوراق القوة التي ستستخدمها إيران وحلفاؤها، لتقديم أنفسهم كمفاوض وحيد يملك الكلمة العليا والأخيرة في صوغ التسويات أو التوافقات. بهذا المعنى، "صفقة القرن" - كما قلنا سابقاً- هي أولاً بين إيران والولايات المتحدة.

منير الربيع - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى