جلسات الموازنة: الضعف الخطير لرئاسة الحكومة

جلسات الموازنة: الضعف الخطير لرئاسة الحكومة
جلسات الموازنة: الضعف الخطير لرئاسة الحكومة

بينما يجري التنافس في جلسات مناقشة الموازنة، التي تخطت الـ19، على من يُقدم اقتراحات تخفيض للعجز أكثر من غيره من الوزراء، وتقديم أفكار ومقترحات جديدة كل يوم لتأمين الموارد الإضافية، ولو على حساب الناس والطبقات الفقيرة، تُقر اللجان النيابية المشتركة في جلسة لها في البرلمان، وبهدوء، يوم الأربعاء، مشروع قانون يرمي إلى تسوية مخالفات البناء الحاصلة خلال الفترة من تاريخ 13 أيلول 1971 حتى 31 كانون الأول 2016.

ربما هذا النموذج يُعبر بشكل واضح عن طبيعة النقاشات التي أخذت مجلس الوزراء والحكومة إلى أماكن أبعد من مناقشة الموازنة، التي أمهل رئيس الحكومة وزرائه لإيجاد الوسيلة لإخراجها من عنق الزجاجة، والانتهاء من مناكفات القوى السياسية والصلاحيات، وغير ذلك من التوصيفات.

هذا النموذج لا يُلغي طرح الأسئلة المشروعة حول حقيقة ما جرى ويجري داخل الجلسات لجهة دور الرئيس الحريري في إدارة الجلسات؟ وحق الوزراء بمن فيهم وزير الخارجية جبران باسيل في النقاش والاقتراح، لكن لا يحق له وضع موازنة رديفة؟ كذلك محاذير تحرك الشارع بسبب التأخير؟ والتذكير بإستعجال الحريري لإنجاز الموازنة؟ والسؤال المركزي والأساسي هو هل الخلاف بين باسيل ووزير المالية علي حسن خليل هو بسبب محاولة باسيل لعب دور رئيس الجمهورية داخل مجلس الوزراء خلال مناقشات الموازنة؟

مناقشات "الإستنزاف"
رغم كم المعلومات التي سُربت من هنا وهناك حول أسباب تأخير إقرار الموازنة ومناقشات "الإستنزاف"، التي يخوضها مجلس الوزراء، وتحديداً على جبهة وزيري المالية علي حسن خليل والخارجية جبران باسيل، إلا أن التقاطع المشترك لدى مختلف المسربين ومصادرهم هو الضعف الخطير الذي بدا فيه رئيس الحكومة سعد الحريري في إدارته لجلسات مناقشة الموازنة  في السراي. الأمر الذي انعكس على موقع رئاسة الحكومة.

هذا الواقع شعر به حتى مستشاري الحريري نفسه، باعتباره يكرس -في حال التغاضي عنه- أعرافاً جديدة، تطيح بكل المكتسبات التي تحققت بعد "الطائف". وقد ذهب البعض لتوصيف ما جرى بالقول أن الحريري خضع "لإبتزاز" رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، منذ أن سمح له بالتحكم بمواعيد عقد الجلسات، وبعد تلويحه بالاستقالة من الحكومة، إذا لم يتم الأخذ برؤيته الاقتصادية.

عدم حزم الحريري وضرب يده على الطاولة، وضع وزير المال علي حسن خليل وجها لوجه مع نظيره في الخارجية جبران باسيل، بعدما تجاوز الأمر حدود تقديم اقتراحات إلى تجاوز صلاحيات وزير المال، المعني الأول في إعداد مشروع الموازنة.

رد فعل الحريري
لم يتغير أسلوب الحريري في إدارة الأمور حتى اللحظات الأخيرة. فهو أوعز إلى كتلة المستقبل لإصدار بيان، دفاعاً عن موقع رئاسة الحكومة ومقرها، وحاول تركيب بدعة جديدة من خلال الاجتماع الوزاري المصغر، قبيل الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، وبعدما فشلت المحاولة في إيجاد تفاهم أو تسوية على المقترحات، رُفع الأمر إلى جلسة مجلس الوزراء، التي رُفعت بدورها.. بعدما شعر الحريري بالتعب والتوتر.

وقال الحريري: "النتيجة جيدة، وفي موازنة 2020 سنصل إلى عجز 6,5 في المئة مع تخفيض عجز الكهرباء، سنعود الجمعة "بدنا نخلص"، وإذا لا، فالإثنين .. "أديش بدّي كون صبور"، فلتأخذوا 48 ساعة، ومن لديه مقترح ليناقشه معي أو مع وزير المال.. "الجمعة بدنا نخلص".

تطرح مصادر "المدن" جملة من الأسئلة وعلامات الاستفهام حول هذا النمط المعتمد من المماطلة والمناورة، والذي تمت تجربته في استحقاقات سابقة كتشكيل الحكومة والتوافق على قانون الانتخاب وغيره. والخوف هو إذا كان ثمة أهداف سياسية وراء عرقلة ولادة الموازنة في مجلس الوزراء ومجلس النواب مع التداعيات التي ستنشأ عن ذلك؟ 

بري وجنبلاط وبطل القصة
خلال لقاء الأربعاء النيابي، نقل النواب عن الرئيس نبيه بري أنه ينتظر وصول الموازنة، التي تأخرت أصلاً. وهو أعطى توجيهاته إلى لجنة المال والموازنة كي تعكف على دراستها بشكل مكثف، وتعقد جلستين يومياً وأكثر، إذا اضطر الأمر. وبالتالي، فإن مشروع الموازنة يحتاج كيفما كانت الأمور إلى شهر أمام لجنة المال.

وكرر بري عبارته المعتادة "ما تقول فول تيصير بالمكيول". ربما للدلالة على التأخير غير المبرر في مناقشات مجلس الوزراء حتى الآن، بعدما كان تبلغ أكثر من مرة من مساعده وزير المالية بالإنتهاء من دراسة المشروع.

كلام بري يتقاطع مع ما كان أثير أكثر من مرة، لجهة حاجة البلاد إلى ورشة تشريعية حقيقية، لا إلى مشروع موازنة  تتضمن العشرات من المواد القانونية التي لا صلة لها بالموازنة، وكل ما يجري حالياً تضييع للوقت والجهد، من أجل موازنة لأقل من ستة أشهر. 

بالموازاة، غرد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط على حسابه على "تويتر" قائلا: "يبقى أن إنجاز الموازنة أهم من تعطيلها والدخول في نقاش عقيم ومعطل. آن الآوان أن نخرج بنتيجة ويجري بحث موازنة سنة 2020 ".

مقررة لجنة المال والموازنة وعضو كتلة (الوسط) النيابية، النائب نقولا نحاس، أبلغ "المدن" أن "مهلة الـ48 ساعة التي أعطاها الرئيس الحريري هي للإخراج، الذي ربما يكون في جلسة تعقد في قصر بعبدا. وما جرى ويجري هو تنافس من يكون بطل القصة، ومن الذي قدم أكثر من غيره أفكاراً واقتراحات في سبيل الإصلاح المفترض".

ووصف نحاس الموازنة بأنها موازنة حسابية وليست اقتصادية، سيما وأنها تخالف المبادىء الدستورية، لجهة تضمينها إجراءات ضريبية، وغياب التخطيط والرؤية. إذ أن القوانين الضريبية يجب أن تتمتع بالاستقرار والموازنة. هي قانون سنوي قابل للتعديل، وما يجري الآن هو تمهيد لموازنة العام 2020، لأن ما تبقى من هذا العام لن يترجم مضمون الموازنة.

تبقى الخلاصة أن ما بين الإخراج والإحراج كان توصيف عضو كتلة التنمية والتحرير النائب أنور الخليل لما جرى في جلسات الموازنة، ربما الأكثر واقعية عندما استعار كلاماً لأمير الشعراء أحمد شوقي: "إلاما الخُلفُ بَينَكمُ إلاما وهذي الضجّةُ الكبرى علاما، وفيمَ يَكيدُ بَعضُكمُ لبعضٍ وتُبدونَ العَداوةَ والخِصَاما".

بكل الأحوال هذه هي حكومتنا.. "حكومة إلى العمل".  

المصدر: المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى