كتب خضر حسان في المدن:
كَشَف وزير الخارجية جبران باسيل الستارة عن جلسات مجلس الوزراء المنعقدة لمناقشة مشروع موازنة العام 2019، فإذا بالجلسات نسخة لبنانية سياسية عن مسرحية "مدرسة المشاغبين". فباسيل جسّد الستارة التي فُتِحَت أمام الجمهور، لكي يرى ما كان يحصل خلفها. فأحداث المسرحية بتعديلاتها اللبنانية، ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات من "الشغب" السياسي الذي أفضى إلى تحويل "الصفوف" في الحكومة والبرلمان على حد سواء، إلى "حصص" للشغب. أما مدير المدرسة اللبنانية ونظّارها، فأدوارهم تختلف عن دور الممثل المصري حسن مصطفى (عبد المعطي)، إذ ان عبد المعطي لم يكن شريكاً في الشغب، بل حاوَل يائساً إعادة التلاميذ الى رشدهم.
إصرار باسيل
أكثر من جلسة للحكومة لم تفلح في إقرار المهزلة التي سُمّيَت موازنة. فرغم فداحة ما إرتُكب فيها من سذاجة، فرضَت بعض الرسوم تحت لواء تخفيض العجز، يصرّ باسيل على تمرير طروحاته حول "تخفيض العجز إلى ما دون 7 في المئة"، علماً ان الطروحات الباسيلية تأتي من خارج خطة الحكومة، ومتعارضة تماماً مع الدستور وقانون المحاسبة العمومية. ففي مصدري التشريع، الدستور والقانون، تتولى وزارة المال حصراً، ترجمة ما تتفق عليه الحكومة من خطوات إصلاحية، ينتج عن تلك الترجمة مشروع الموازنة، التي تُعرَض على الحكومة لمناقشتها وبتّها، ليذهب المشروع بعدها إلى مجلس النواب للموافقة عليه، أو وضع بعض اللمسات الإصلاحية قبل الموافقة. وفي خضم هذا المسار، لا يذكر الدستور ولا القانون أي دور لوزير الخارجية، لا في إقتراح خطة إصلاحية مغايرة للتوجهات العامة، التي تتفق عليها الحكومة، ولا في عرقلة إقرار الموازنة. وهنا يمكن استحضار الخطة الإصلاحية التي وضعتها الحكومة في العام 1997، كتوجهات عامة يفترض بوزارة المال الاسترشاد بها لوضع الموازنة. وللمزيد من التراخي القانوني مع باسيل، كان من الأجدى به تقديم اقتراحاته قبل وضع وزارة المال مشروع الموازنة، لا بعدها.
في المحصّلة، طوى رئيس الحكومة اجتماع يوم الأربعاء 22 أيار على عدم اتفاق يفضي لإقرار الموازنة، مع الأمل في إقرارها يوم الجمعة 24 أيار. ما لم يخلق باسيل ما لا نعلمه.
خوف من مجلس النواب
ليس خافياً أن الضغوط التي يمارسها باسيل على كل الأطراف السياسية، بمن فيهم حليفه الحريري، تخنق الجميع. فالحريري يريد تمرير الموازنة لتسجيل إنجاز لحكومته، وكذلك وزير المال، الذي تسلّح بالمسار القانوني ليُعلن أن "الموازنة انتهت بالنسبة لي ولوزارة المال"، وهو أمر صحيح قانونياً. لكن إعلان باسيل أن "الموازنة تنتهي عندما تنتهي"، ليس سوى تحدٍّ لكل القوى السياسية وللقانون، والأهم، هو الرسالة التي يوجهها للجميع، ومفادها أنه صاحب القرار الأخير في هذه الدولة.
تكرار الجلسات والاجتماعات إنصياعاً لباسيل، دليل على قوته، وهي مؤشر إلى احتمال عرقلة إقرار الموازنة في مجلس النواب، إذا ما دار أمرٌ جديد في بال وزير الخارجية، مع احتمال أن يستند الأخير إلى القانون الذي يُلزم إجراء قطع حساب قبل إقرار الموازنة. وهو ما لوّح به مراراً النائب إبراهيم كنعان. وبذلك، تكون مفاعيل الثغرة التي تغاضت عنها الحكومة، ومن ضمنها باسيل وفريقه، قدّ أُرجِأت إلى الفصل التالي من المسرحية. ومن ذا الذي سيعترض؟ فالجميع يريد تمرير المشروع المتأخّر أصلاً. وعدم الاعتراض هو ورقة رابحة بيد باسيل لإبتزاز الجميع، ولحثّهم على القبول بكل ما يريده، وإلاّ التعطيل. وكم يشبه المسار المتوقّع للموازنة في مجلس النواب، مسار سلسلة الرتب والرواتب التي رزحت خمس سنوات تحت مقصلة الدرس والتعديل، لتخرج سلسلة مشوّهة.
غياب المدير
يصمت، حتى الآن، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيسي مجلس النواب نبيه بري والوزراء سعد الحريري، ما خلا تعبير الأخير عن امتعاضه لعدم إقرار الموازنة سريعاً. ومن المستغرب عدم تحرك مدير هذه البلاد ورئيسها لقول كلمة الفصل، واستعمال سلطته وهيبته كرئيس للبلاد وكعمٍّ لباسيل وكقائد سابق للجيش، له كاريزما وحضور، وكرئيس سابق لتيار سياسي يُقال بأنه "ناضَل" ضد الإحتلال السوري ودفع ثمناً في المنفى وعاد ليدير مسير الإصلاح والتغيير.
واللافت أيضاً سكوت برّي الذي تخرقه بعض الرسائل، التي يرسلها مع نواب كتلته، إلا أنها لا تؤثر في مجريات الأمور، خصوصاً وأن وزير المال وافق يوم الأربعاء 22 أيار على بعض البنود التي اقترحها باسيل لتعديل مشروع الموازنة. وفي ذلك إقرار بأن بري لا يملك حتى الآن قدرة الوقوف في وجه باسيل. ومن غير المرجّح عرقلته لإقرار الموازنة أو للطروحات الكامنة التي يمكن لباسيل إختلاقها في مجلس النواب مستقبلاً، لأن إنجاز وزير المال لا يُمكن أن يصل إلى خواتيمه، ما لم تُقر الموازنة في البرلمان، ويُسجَّل بذلك إنجاز لكتلة التنمية والتحرير.
أما حزب الله، الشاهد الأخرس في هذه المسرحية، فيستبدل كلامه بدعم غير معلن لباسيل. فالحزب لا تعنيه مالية الدولة وانتظامها العام. بل على العكس، أي خلل فيها هو لمصلحته. ودعم الحزب لباسيل فيه مصلحة للحزب، وإن كان على حساب الدولة. والحزب لا يبالي لحليفه وشقيقه في الطائفة، ففي ساعة الصفر، سياسياً وعسكرياً، يسحب الحزب من أدراجه خطابات الطائفية والمظلومية التاريخية ليشحن الجمهور، ويقضي على الانتقادات والخلافات تحت وطأة المعركة.
كل الإحتمالات مفتوحة، ولا شيء مؤكّد سوى أن شخصاً واحداً أرخى بظلّه على الدولة، ويراهن على ملل القوى السياسية والناس، لتمرير كل ما يريده.
خضر حسان - المدن