علقت صحيفة "فايننشال تايمز" في افتتاحيتها على نتائج الانتخابات المحلية في تركيا التي جرت في نهاية الأسبوع.
وتقول الافتتاحية: "من الصعب المبالغة في تقدير الضربة التي مثلتها خسارة أنقرة وإسطنبول، على أكبر تقدير، فقد كانت انتصاراته في المدينتين الكبيرتين قبل 25 عاما هي ما منحته البداية السياسية الحقيقية".
وتعلق الصحيفة على قول ناشطي الحزب في عام 2017: "إذا تعثرنا في إسطنبول فإننا سنفقد خطواتنا في تركيا"، قائلة إن "نتائج الانتخابات الصادمة يوم الأحد تضعه أمام مفترق طريق، وعليه أن يختار البراغماتية القادر عليها، أو اتباع حدسه للتشديد على المعارضة".
وتشير الافتتاحية، إلى تقدم المعارضة التركية، التي تعبر عن نشاط في الديمقراطية التركية، لافتة إلى أن أردوغان لم يتخلص من أعمدتها كلها.
وترى الصحيفة أن "فوز المعارضة جاء نتاجا للسخط على الأوضاع الاقتصادية، وليس بالضرورة سياسيا، فقد انهار نموذج أردوغان، الذي يقوم على النمو المدفوع بالقروض والإنشاءات والاستهلاك في أزمة العملية العام الماضي، وفقدت الليرة التركية حوالي 30% من قيمتها العام الماضي، ما ترك الاقتصاد في حالة كفاح لخدمة دين أجنبي في معظمه قيمته 275 مليار دولار".
وتلفت الافتتاحية إلى أن أزمة ائتمان رافقها ارتفاع بنسبة 24% في أسعار الفائدة تركت أثارها الخطيرة على الاقتصاد، ودخلت تركيا أول ركود لها منذ عقد في الربعين الأخيرين من عام 2018، فيما ارتفعت نسبة التضخم إلى 20%، أما معدلات البطالة فهي في تزايد.
وتجد الصحيفة أن التركيز على الأيديولوجية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، التي تعني محاولة جذب القطاعات المحافظة التقليدية التي ظلت خارج السياق السياسي، يعني تجاوز أهمية النمو الاقتصادي، والقدرة على توزيع الثروة، ما أثر في نجاح الحزب.
وتتساءل الافتتاحية عن الطريقة التي يمكن أن يرد فيها أردوغان على الوضع الحالي، قائلة إن "الرد الانفعالي لهزيمة التهديدات هو الضرب وبقوة وعدوانية، وهو ما فعله بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في عام 2016، فسجن 77 ألف شخص، وطرد حوالي 130 ألف معلم وضابط وعمال في الخدمة المدنية من وظائفهم، وحرم مئات الألاف من وظائفهم".
وتنوه الصحيفة إلى أن أردوغان سيقدم 16 شخصا اتهموا بتنظيم انتفاضة مدنية عام 2013 لمنع تجريف حديقة شهيرة في إسطنبول، التي تم قمعها بالقوة، ويتهم هؤلاء بالتآمر مع رجل الدين فتح الله غولن، المقيم في الولايات المتحدة، والمتهم بتدبير المحاولة الانقلابية في تموز/ يوليو 2016.
وتستدرك الافتتاحية بأنه "في المقابل، فإن الرئيس التركي أظهر قدرة على التنازل، وحتى التراجع لو علم أن هذا يخدم المصلحة السياسية، فبعد توتر في العلاقات مع موسكو، بعد إسقاط الطيران التركي مقاتلة روسية فوق سوريا عام 2015، فإن أردوغان تصالح مع فلاديمير بوتين بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة".
وتفيد الصحيفة بأنه عندما ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تركيا، من خلال فرض تعرفة جمركية وعقوبات على وزيرين تركيين، ما أدى إلى أزمة الليرة التركية العام الماضي، فإن أردوغان وجد طريقة لتخفيف التوتر من خلال الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي اتهم بإقامة علاقات مع الأكراد والغولونيين.
وتقول الافتتاحية إن "التنازل بدا ممكنا على الجبهة الاقتصادية، ففي أول ظهور له بعد نتائج يوم الأحد، تعهد أردوغان باستخدام الأربع سنوات المقبلة قبل الانتخابات الرئاسية من أجل تحسين الاقتصاد وإجراء إصلاحات فيه، وكانت نبرته مختلفة عن تلك التي بدت في أثناء الحملات الانتخابية، حيث استخدم خطابا مستفزا".
وتبين الصحيفة أنه "من الناحية السياسية فإن الحدس ربما كان الضرب وبقوة، وهو ما سيضعف تعهداته الاقتصادية، وسيخيف المستثمرين الخارجيين، الذين تحتاج تركيا إلى استثماراتهم من أجل تعزيز النمو".
وتختم "فايننشال تايمز" افتتاحيتها بالقول: "كما اكتشف صديقه العزيز فلاديمير بوتين، فمهما كان أردوغان قويا فإن الاقتصاد مهم".