عجوز يضع قارورة اوكسجين في سيارة اجرة وينتقل من منطقة الى اخرى باحثا عن رزقه، على الرغم من مرضه وسوء حالته، الا ان ذلك لا يحرك ساكنا لدى المسؤولين الذين يملكون الملايين لا بل المليارات... هذه ليست قصة فيلم خيالية بل حقيقة يعيشها الاف المسنين في لبنان من ضمنهم العجوز الذي تم تداول مقطع فيديو لحالته الانسانية.
منذ سنوات واللبنانيون موعودون بضمان لشيخوختهم، وللتذكير فقط وعد الرئيس سعد الحريري قبل الانتخابات النيابية أن "تنجز الحكومة قانون ضمان الشيخوخة في أقرب وقت ممكن بعد الانتخابات النيابية، من أجل مساعدة كل مواطن له الحق في أن يعيش بكرامة حين يكبر بالسن". وقال: "هذا الموضوع عمل عليه كثيرا الرئيس فؤاد السنيورة في مجلسي الوزراء النواب، ونحن سنستكمل هذا الجهد بعد الانتخابات"، وحتى الان لا يزال القانون المقترح في الادراج وفي اخر الحسابات السياسية، لا بل ان أسبابا سياسية وليس تقنية تحول دائما دون تحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطن في لبنان منها سوء الادارة والصفقات وهدر الاموال في المؤسسات العامة، وما مشروع ضمان الشيخوخة الا واحد من ضحايا الحسابات السياسية.
شبح الشيخوخة يرافق كل مواطن لبناني، فآلاف العجزة يقارعون مصيرهم المجهول. حملوا ثقل أعوامهم الغابرة وتشرّدوا على عتبات المنازل ومداخل الأبنية، فاتخذوا من الطرق والأرصفة ملاجئ لهم. أصبحت مشاهد هؤلاء العجزة، مؤلمة وحزينة، هم ضحايا التجاهل والتهميش والإهمال. لا من معيل ولا رعاية رسمية... ومن رحم هذه المعاناة برز قانون إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، المعروف بضمان الشيخوخة، ليكون حلم كل فقير في لبنان الا ان هذا الحلم لن يتحقق حتى الان، بعد الوصول الى حائط مسدود في كل مرة.
يقبع مشروع قانون ضمان الشيخوخة في ادراج مجلس النواب منذ العام 2008 نظراً لتشعّب الخلافات من أكثر من طرف حول مضمونه. الا ان اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة برئاسة النائب عاطف مجدلاني أعادت احياء درس مشروع القانون. ويشهد قانون ضمان الشيخوخة منذ سنوات خلافات على مضمونه. منذ العام 2004 احيل مشروع القانون من الحكومة الى المجلس النيابي حيث تم تأليف لجنة فرعيه لاعداده ودرسه برئاسة النائب عاطف مجدلاني الذي قدم المشروع عام 2008 الا انه لقي اعتراضاً من الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية والضمان الاجتماعي، فأُعيد هذا القانون الى اللجان المشتركة ثم الى اللجنة الفرعية لمناقشته مجددا والاخذ بالاعتبار الاعتراضات.
فاللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة برئاسة رئيس لجنة الصحة النائب عاطف مجدلاني، والمكلفة درس مشروع قانون ضمان الشيخوخة، اصطدمت باصرار الهيئات الاقتصادية على انه لا يمكن لصندوق الضمان الاجتماعي الذي لم ينجح برأيها بحسن ادارة وضعه المالي، ان يكون مسؤولا ايضا عن نظام الشيخوخة، في حين اعتبر الفريق الاداري في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ان نظام الشيخوخة يجب ان يكون تحت رعاية الصندوق وباشرافه، الامر الذي ادى الى تعطّل المشروع!
ومن الناحية اللوجستية، ترى ادارة الضمان ايضا، انه لا يجوز تحميل الصندوق اعباء مالية اضافية من خلال تكاليف انشاء ادارة جديدة تُعنى بصندوق ضمان الشيخوخة فقط، فمع تعدّد الصناديق تزيد تكاليف اجهزة التسجيل والرقابة. الامر الذي دفع الى طرح بعض النواب اعادة اصلاح صندوق الضمان الاجتماعي وتعديل مجلس ادارته من ناحية العدد والكفاءة في متابعة الشأن الاقتصادي والصحي، كون قانون الضمان ينص على ان يتألف مجلس الادارة من 6 اعضاء ممثلين عن الدولة و10 ممثلين عن اصحاب العمل و10 ممثلين عن الاجراء، على ان يكونوا من اصحاب الاختصاص في مجال عملهم، ولا يشترط ان يكونوا معنيين بالشأن الصحي والاقتصادي.
كما طرح بعض السياسيين تطوير واصلاح صندوق الضمان، عبر ضخ دم شبابي داخله وعدم تركه متعثرا بدلا من انشاء صندوق آخر مستقل بادارة مستقلة. كذلك التأكيد على تشكيل لجنة لاستثمار اموال صندوق التقاعد تتمتع بهامش واسع من الاستقلالية مؤلفة من خبراء ومختصين في مجالات ادارة الاموال واستثمارها، وذات سير ذاتية تثبت كفاءتهم ومصداقيتهم.
مؤخراً، اعيد احياء مشروع القانون لكن الى الان يخشى اللبنانيون من العقبات الكثيرة التي تحول دون اقراره والى حينه يطرح السؤال ما هي الاجراءات التي قررتها الحكومة لمساعدة الطبقات الاجتماعية الاكثر فقرا؟ وهل من تصور لديها لزيادة موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية لمساعدتها على توفير المساعدات المطلوبة؟... وفي كل الاحوال يجب التوصل ايا كانت الصيغة المتبعة لانشاء نظام الشيخوخة، والى تسوية سياسية بين الفرقاء لكي يبصر هذا المشروع النور في اقرب وقت ممكن.