لا تزال أزمة القروض الإسكانية المدعومة على حالها، إن لم نقل باتت أكثر تعقيداً. فالرزمة المالية التي خصّصها مصرف لبنان، مطلع الشهر الحالي، للإقراض السكني المدعوم، ورغم تواضع حجمها، لم تحل الأزمة، ولم تدفع بالمصارف إلى المباشرة بقبول طلبات المقترضين، لأسباب عديدة.
وما حديث رئيس جمعية مصارف لبنان، جوزيف طربيه، منذ أيام عقب خروجه من قصر بعبدا، عن ارتياح الناس لاستئناف عملية الإقراض السكني المدعوم، والإقبال الكبير على تقديم الطلبات، سوى تضليل للرأي العام وتزييف للحقائق. إذ لم يستحصل أي من الطلبات المقدمة إلى المصارف التجارية على موافقة حتى اليوم، وفق مصدر مسؤول في المؤسسة العامة للإسكان، في حديث إلى "المدن".
ضوابط وشروط
في 30 كانون الثاني الفائت، استأنف مصرف لبنان عملية الإقراض السكني المدعوم، فأطلق رزمة مالية جديدة لا تزيد عن 200 مليون دولار (300 مليار ليرة)، أي أنها لا تكفي لأكثر من 1100 طلب فقط. وترافق إطلاق الرزمة الجديدة مع تعديلات على شروط القرض، وضوابط ترتبط بالمصارف العازمة على الإقراض. ومن أبرز التعديلات، رفع الفائدة المعتمدة للقرض السكني المدعوم، عبر المؤسسة العامة للإسكان، إلى 5.5 في المئة، بعد أن كانت تتراوح سابقاً بين 3.25 في المئة و3.75 في المئة.
كما اشترط مصرف لبنان على المصارف "منح القروض بالليرة اللبنانية، في مقابل بيع الدولار الأميركي إلى مصرف لبنان". بمعنى، أنه بات على المصارف شراء الليرة اللبنانية من مصرف لبنان. أي أنها ستكون مضطرة إلى الاستغناء عن جزء من أموالها بالدولار، عبر إيداع المبالغ المحوّلة من الدولار إلى الليرة، في حساب خاص لدى البنك المركزي، لاستخدامها فقط في تمويل الإقراض السكني المدعوم.
الضوابط والشروط التي فرضها مصرف لبنان على عملية الإقراض السكني، لم تكن محبذة من قبل المصارف، وهو ما أقلق المؤسسة العامة للإسكان، ودفعها الى تحذير المواطنين الراغبين بالإقتراض السكني، والطلب منهم التريث بالإرتباط بدفعة أولى مع بائع العقار، قبل الإستحصال على ما يضمن موافقة المصرف على اعطاء القرض. تنبيه المؤسسة العامة للإسكان يؤكد استشعارها برفض المصارف، ونيتها المماطلة بالبت بطلبات المواطنين.
لا إقراض
اليوم، وبعد مرور نحو 20 يوماً على إطلاق الرزمة الجديدة من مصرف لبنان، لم يتم قبول أي طلب للإقراض السكني المدعوم، على الرغم من وجود مئات الطلبات الجاهزة مسبقاً، والتي لا تستلزم سوى إعادة درسها فقط. والسبب، وفق المصدر، أن المصارف لا تريد الإقراض.
الحديث عن إقبال كثيف لمقدمي الطلبات، دقيق، لكن لم يأت على ذكر كيفية تعاطي المصارف مع الطلبات، يقول المصدر. فالمصارف لم تمنح حتى اللحظة أي موافقة على طلب إقراض سكني مدعوم. والسبب هو رفضها للفائدة المعمول بها، والمفروضة من مصرف لبنان، أي 5.5 في المئة. كذلك، رفضها تطبيق تعميم مصرف لبنان، الذي يفرض على المصارف شراء الليرة اللبنانية من مصرف لبنان. أضف إلى أن المصارف لم تطبق أيضاً التعميم السابق لمصرف لبنان (رقم 503)، الذي يفرض عليها عدم تجاوز حجم التسليفات بالليرة نسبة 25 في المئة من مجمل ودائعها بالليرة، وهي بطبيعة الحال تتجاوز النسبة بأشواط.
مسار الخديعة
وللتذكير، فإن التعميم الأخير لمصرف لبنان يرصد 790 مليار ليرة لدعم القروض السكنية، منها 490 مليار مخصصة لسداد قيمة طلبات تعود للعام 2018، احتسبت من رزمة العام 2019، والباقي 300 مليار ليرة لا تكفي لأكثر من 1100 طلب، في حين أن المؤسسة العامة للإسكان تتلقى نحو5000 طلب سنوياً، أضف الى ذلك، أن الأموال المرصودة يجب أن تقسم على المؤسسة العامة للإسكان، والجهاز العسكري للإسكان، ومصرف الإسكان. ما يعني أن المبلغ المذكور وُجد لتسيير طلبات المواطنين العالقين من العام الماضي فقط. ورغم ذلك، تتمنع المصارف عن تسيير أي طلب، رفضاً لسعر الفائدة المعتمد، ولعدم انصياعها لتعاميم مصرف لبنان. النتيجة تتلخص بأن "المواطنين خُدعوا".
المصدر: المدن