المشنوق: أنا صار لازم ودعكم !

المشنوق: أنا صار لازم ودعكم !
المشنوق: أنا صار لازم ودعكم !

كارلا الزين - ليبانون ديبايت

ما كادت مراسيم حكومة الرئيس الثالثة ترى النور حتى اشتعلت سياسياً على أكثر من جبهة، وكأن الحكومة في آخر أيامها... لكن بالتأكيد لا شيء يحجب "الخضّة" في وزارة الداخلية!

قال الحريري كلمته باكراً جداً. "لا مكان لنهاد المشنوق في حكومتي الجديدة". لم يقلها حرفياً لكنه، في كل ما فعله، قَصَدها. حتى أعتى المدافعين عن مبدأ فصل النيابة عن الوزارة لم يلتزم بكلمته، لكن الحريري كان "ملِكاً أكثر من الملك". العارفون يجزمون أنها كانت الحجة الأكثر دبلوماسية للاستغناء عن خدمات نهاد المشنوق... باكراً جداً!
بين حكومة تمام سلام عام 2014، ثم حكومة سعد الحريري الثانية عام 2016، مسَار صنعه "البيروتي النخبوي" بنفسه صعّب عملية استبعاده أو المفاضلة بينه وبين آخرين من أبناء "البيت الأزرق" على حقيبة الداخلية، الى أن قرّر "نيو الحريري" المُفرط بالتنازلات أن يخسّر نفسه "ورقة إضافية": وجود شخصيات مؤثرة ومنتجة وحاضرة للمواجهة، بأي وقت، كنهاد المشنوق الى جانبه. 

 

يصعب جداً المقارنة اليوم بين السَلف والخلف. ويصعب أكثر فهم دوافع الحريري في إزاحة "حالة المشنوق". يملك الحريري وحده سرّ استبعاد "الرجل القوي" في هذه اللحظة المفصلية الصعبة والدقيقة داخلياً وإقليمياً ودولياً. الاستنتاج الأقرب الى المنطق: الحريري يرغب بأن يكون "وان مان شو"... كل من يحيط به يريدهم مجرد "كومبارس". 
ريا الحسن ستشكّل تحدّياً كبيراً للحريري. "بروفيل" الوزيرة الشمالية يوحي بكثير من الرصانة والقدرة على التأقلم ورغبة بترك بصمة "نسائية" في الوزارة "الحديدية"... ولكن يبدو الأمر "مغامرة" أقرب الى التحدي. السَلف قد يشكّل "عقدة" أصلاً لكل وافد الى الصنائع، فكيف لخبيرة في "الارقام" تتقن لعبة المال والاقتصاد ولا تدير أذنيها كثيراً للسياسة والأمن لبّ الموضوع في "أمّ الوزارات".

ملعب نهاد المشنوق كان واسعاً جداً. بدأ من اهتمامه الاستثنائي بقضايا بديهية كأزمة السير، وإنجاز "الباسبور البيومتري" و "دفاتر السواقة" و"النمرة الذكية" لينتهي مفاوضا سرّياً في عواصم العالم و "بئراً عميقة" لأسرار من يلتقيهم يستثمرها لمصلحة الداخل... في التوقيت المناسب، وما بينهما الجلوس على طاولة عين التينة للمشاركة في جلسات الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، الإدارة المباشرة لملف مكافحة الارهاب، وتنفيذ "الانقلاب الابيض" في سجن رومية وتطهيره من الارهابيين. 

ما قيل عن "إمارة" تربّت في كنف أشرف ريفي انتهت على يد غريمه. فاخر دوماً بكونه أول وزير يسجن عسكريين بتهمة ضرب مساجين، ووقّع عشرات القرارات بإحالة ضباط الى المجلس التأديبي.

وتكرّ السبحة. إنجاز الانتخابات النيابية وقبلها البلدية خلال عامين فقط، إضافة إلى تنفيذ وعده يوم تسلّمه الوزارة بوقف نزاع الأجهزة وتحويله "تنسيقاً دائماً، وصولاً إلى تحقيق معادلة "لبنان الآمن"، وكذلك رعاية قوى الأمن الداخلي وإطلاق خطة خمسية لجعلها الممسك الأوّل بأمن الداخل اللبناني... قلّة فقط، وربما نادرة من وزراء داخلية، يخرجون من اجتماع أمني في الداخل ليحطوا بعد ساعات في إحدى عواصم القرار العربية أو الغربية. ينتهي الاجتماع، تعود الطائرة أدراجها بيروت لنجد "الرجل القوي" ضيفاً على طاولة في طريق الجديدة.

حين يُسأل المشنوق عمّا يحزّ في قلبه بتركه وزارة الداخلية قبل تحقيقه يجيب سريعاً "عدم تمكّني من مواكبة تطبيق الاستراتيجية الخمسية لقوى الأمن الداخلي، إضافة الى مشروع مَكننة الأحوال الشخصية، وإنشاء مبنى ملاصق للوزارة وتابع لها بسبب صغر حجم المقرّ الحالي ".

الوزير المؤمِن بنظرية "لا أمن بلا سياسة" التقى مفاتيح القرار في عواصم العالم ودول الخليج... ودوماً كانت تختلط أهداف الزيارة بين الامن والتنسيق بشأن مكافحة الإرهاب و"هندسة" جزء من السياسة الخارجية... آخر المشاهد في زمن تصريف الاعمال تُرجِم في جدة. لن يكون مجرد تفصيل الاستقبال غير العادي الذي لقيه في زيارته الأخيرة الى السعودية في تموز العام الماضي. حفاوة استثنائية بالزائر اللبناني من موكبه وصولاً الى لقاءاته النوعية في الوقت الذي كانت تطرح فيه علامات استفهام كبيرة حول علاقة المملكة بالرئيس الحريري.

المحتفى به سعودياً كان الشريك الاول في إنضاج القرار السعودي بالسير في خيار ميشال عون رئيساً للجمهورية. لاحقاً بات من "ضحاياه". دافع عن الحريري في أقسى لحظات حياته السياسية والشخصية... صَعد المشنوق على منبر دار الفتوى قائلاً لقيادة المملكة العربية السعودية: "نحن لسنا قطيع غنم لنوَرَّث من سعد إلى بهاء الحريري، ونريد رئيس الحكومة في بيروت ثم نناقش التفاصيل"... وحتى في أحداث الجاهلية بدا كمن يحمي الحريري بصدره.

حين وصل الى الداخلية تحدّى نفسه. لن أترك الإدارة "تأكلني". بلّ يده "على الوصلة" في طبخة الخطة الأمنية. تاريخياً، للجيش سطوة على بقية الأجهزة الامنية. صعد الى وزارة الدفاع وفاتح العماد جان قهوجي بصراحة. "مكافحة الإرهاب سمّ. تريد أن تعمل وحدك أنت حرّ. أنا لن أكون شاهداً". تجربة الشراكة بين الأجهزة الامنية نجحت، برأي المشنوق. لكن العارفين يجزمون بأنها "عادت وانتكست بعد وصول الضابط السابق ميشال عون الى الرئاسة"! 

يغادر المشنوق الصنائع وسرّ "مستقبله" السياسي معه. ما هو مؤكد أن من أعاد "السطوة" الى وزارة افتقدتها طويلاً لن يخرج من عباءة "الحريرية السياسية". هذه قناعة راسخة، ما بعد ذلك كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك "تحصين" ما راكمه من رصيد علاقات ونفوذ، مذ كان الى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسيرته السياسية، ليبني على الشيء مقتضاه... السؤال فقط. متى ستنتهي الاجازة السياسية التي وعد وزير الداخلية بها نفسه بعد خروجه من الحكومة؟ وهل أصلاً لا يزال على رأيه بأن "الغياب عن الشاشة" مفيد لوزير من "وزن" المشنوق؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى