وجهات نظر متعددة حول "مصير ازمة النفايات في لبنان" طرحت في حلقة النقاش التي نظّمها "حزب الحوار الوطني" برعاية النائب فؤاد مخزومي، وحضرها رئيس بلدية بيروت المهندس جمال عيتاني، نقيب المهندسين جاد تابت، ممثل وزير الطاقة والمياه المهندس كمال محيّر، وخبراء بيئيين ومتخصصين في ملف معالجة النفايات وناشطين من المجتمع المدني، وذلك في فندق البريستول الحمراء.
فبعد كلمة الافتتاح التي القاها فؤاد مخزومي وشرح رئيس البلدية جمال عيتاني لحل مشروع التفكك الحراري ورفض نقيب المهندسين لهذا المشروع، و حديث كمال محيّر عن اقتراح القانون المعجل المكرر الذي تقدم به وزير الطاقة بصفته نائباً الى المجلس النيابي حيث يسمح للقطاع الخاص بمعالجة وتدوير النفايات وانتاج الكهرباء ومن ثم بيعها الى مؤسسة كهرباء لبنان، ابدى الحاضرون وجهات نظرهم بالازمة التي عصفت بلبنان منذ سنة 2015 مع اغلاق مطمر الناعمة.
خبير البيئة المهند زياد ابي شاكر لا يحبّذ كما قال" خيار المحرقة لنفايات بيروت او لنفايات اي منطقة من لبنان، وان لجأت اليه الدول الاوروبية، والسبب هو تكوين نفايات لبنان التي قسم كبير منها عضوي يصل بحسب وزارة البيئة الى نسبة 62 بالمئة، وبما ان بيروت هي اكبر منطقة تضم فنادق ومطاعم وافران في الكيومتر المربع فهي اكثر منطقة تنتج موادا عضوية في اليوم" وشرح" في حساب لنسبة المواد العضوية اذا انتجت بيروت 650 طنا من النفايات، 400 منها مواد عضوية، يمكننا تحويل هذه الكمية الى سماد، اما قول البعض ان السماد الذي ينتج غير مجد فهو كلام غير صحيح" لافتاً الى ان" ائتلاف معالجة النفايات سيطرح قريبا خطة بديلة عن المحارق".
رفض ابي شاكر" حرق موارد يمكنها زيادة الانماء، واحدى هذه الموارد هي المواد العضوية التي عند جمع النفايات من دون اللجوء الى كبسها بامكاننا انتاج اسمدة جيدة، لدينا 220 طنا من السماد ونحن بلد يستورد الاسمدة، نستورد 13 الف طن سمادا عضوية كل سنة، وكل طن يكلف 270 دولارا. لكن ان انتجنا نحن السماد وبعنا الطن بمئة دولار سنحصل على مدخول سنوي بقيمة 8 ملايين دولار من المواد العضوية فقط"، وعما ان كان السماد الذي سينتج ذات مواصفات دولية اجاب" تقنيات انتاج الاسمدة طبيعية ومجربة من مئات السنوات، لكن تقنية الحرق معقدة". في المقابل اعتبرت المهندسة البيئية نجلا شويري أن كلام أبي شاكر غير دقيق فمعدل المواد العضوية في نفايات لبنان هو 45 في المئة وليس 62 في المئة، مشددة على أنه "لا يمكن تحويل النفايات العضوية إلى سماد وأن المزارعين يرفضون استخدامها أصلا".
في حين رأى رئيس تجمع الحركة البيئية بول أبي راشد أنه "من الضروري الاتجاه إلى اعتماد التدوير وذلك بعد التغير المناخي الحاصل وانخفاض منسوب النفط تدريجيا والشح في خيرات الأرض"، معتبرا أنه "من الإهانة لمدينة مثل بيروت وهي أم الشرائع ألا نستطيع التوصل إلى فرض عمليات فرز النفايات"، لافتا إلى أن "اللبنانيين قادرون على أن يبنوا الأبراج ويقيموا مشاريع ضخمة ومن المعيب ألا يستطيعوا السيطرة على النفايات وإيجاد الحلول البيئية والصحية لها، ومن المعيب أيضا ألا نتقن فرز نفاياتنا"، اما معلوف فاعتبر ان "المشكلة الأساسية في ملف النفايات ليست تقنية بل تتمثل في الافتقار إلى الاستراتيجية الواضحة للخيارات المتاحة للحل في ظل غياب وزارة البيئة عن هذا الملف"، كشيرا إلى أن "وزارة البيئة دائما ما تكون في عهدة الطرف الأضعف لأنها ليست وزارة سيادية"، معتبرا أن "شروط الوزارة في ما يخص المحارق تعجيزية"، مشددا على أن "قرار اعتماد المحارق يجب ألا يتخذ من دون وجود استراتيجية واضحة حول ملف النفايات".
"المهم البدء بفرز النفايات بحسب نوعها وليس التفكير بالطمر أو الحرق" بحسب الاخصائية البيئية سمر خليل التي تساءلت عن" السبب الكامن وراء عدم وجود دراسة تقييم أثر بيئي استراتيجي رغم وجود شركات دولية درست دفتر الشروط الذي وضعته بلدية بيروت حول اعتماد المحرقة خصوصا في ما يتعلق بالرماد المتطاير" في حين قال وزني أن "هناك معايير وضوابط دولية يجب أن تلتزم بها المعامل الحرارية لحرق النفايات للحد من الانبعاثات وبالتالي ضبط الأثر البيئي، وهذا ما يفتح النقاش الكبير حول ما هو مفهوم ونسبة الانبعاثات من المعامل"، لافتا إلى أنه "إذا كانت المعالجة البيولوجية للنفايات غير متوفرة، فيجب اللجوء إلى الفرز ولكن هنالك نوعيات نفايات لا يمكن إلا أن تتوجه إلى تقنيات الحرق"، مشيرا إلى أن "هذه النفايات تحرق على درجة حرارة عالية وكافية لقتل الجراثيم فورا، كما أنه بالإمكان توليد الطاقة من خلال هذه التقنية. كما أن معامل الحرق الحراري تساهم في الحد من الانحباس الحراري وهي خطوة مهمة بدرجة كبيرا".
وبنظر العميد السابق في كلية ادارة الاعمال والاقتصاد ايلي يشوعي فاننا "في لبنان لا نملك سوى ثقافة تدمير القيمة"، مشيرا إلى أن "هذه النزعة أصبحت أعلى بكثير من نزعة البناء"، معتبرا أن "النفايات هي مورد رابع من موارد البلد، وهي ذات قيمة كبيرة، لذا من غير المقبول التفريط بها"، وقد عرض يشوعي حلولا عدة لمعالجة النفايات "التي تخولنا الاستفادة منها بأفضل الطرق"، مستشهدا بما يحصل في أوروبا، "حيث يتم حرق كميات كافية من النفايات لإنتاج الغاز وتأمين التدفئة والكهرباء، الأمر الذي يعني أن هذا الحرق مبرر اقتصاديا".
واقترح أن "تعتمد البلديات والدولة والقطاع الرسمي الفرز، لأن المواطنين لا يملكون بعد ثقافة الفرز، لذا على الدولة الاهتمام بهذا الشأن"، لافتا إلى أنه "من الضروري أن تذهب النفايات العضوية إلى المزارع كغذاء للدواجن والحيوانات والمتبقي منها يحول إلى أسمدة للتربة. أما النفايات المقتصرة على الزجاج والحديد فيمكن أن تحوّل إلى مواد أولية لمصانع معينة أو تذهب إلى التصدير".
اما مدير شركة "ستاتيستكس ليبانون" ربيع الهبر فلفت إلى "استطلاع للرأي وزع في بيروت، أكد فيه 71% من أهالي بيروت أنهم ضد المحرقة"، إلا أنه أشار إلى أن "الناس لا تملك الثقافة التقنية وأن الرأي العام مضلل في كثير من الأحيان، ولكن من الضروري أخذه وأخذ الحوار في الاعتبار"، في وقت اعتبر أنه "من الضروري خروج الحوار من التدوال وتكليف لجنة تقنية تقود إدارة مشروع معالجة النفايات. وأكد أن المحرقة هي الأجدى فقط إذا كان الحل البديل هو رمي النفايات في البحر أو حرقها على الطرقات، أما الفرز فهو الخطوة الأكثر سلامة والأقل ضررا"، لافتا إلى "وجوب تعليم الناس كيفية فرز النفايات في المنازل"، ثمنيا على "خطوة حزب الحوار الوطني"، داعيا "المؤسسات والجمعيات إلى حذو حذوها".
من جانبها لفتت مديرة برنامج التنمية في مؤسسة مخزومي المهندسة سلامة نعماني إلى أن "مؤسسة مخزومي تقوم بنشاطات بيئية مختلفة في العاصمة بيروت، خصوصا في ما يتعلق بملف النفايات وتعليم المواطنين طرق فرزها"، معتبرة أن "هذه خطوة أولى لتوعية المواطن وتأهيله وتدريبه وصولا إلى الحل الكامل، وبالإضافة إلى ذلك تقوم المؤسسة بورش عمل في المدارس والجامعات لتعليم الجيل الجديد طرق واساليب الفرز". واقترحت "العمل على إنجاز فيديو مصور لعرضه على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي لتوعية الناس على ضرورة فرز النفايات كخطوة أولى نحو حلول سليمة وبيئية".
بدوره اعتبر الباحث القانوني المحامي محمد بسيم حريري أن "إدارة ملف النفايات يقع على عاتق مجلس الوزراء وهو ليس من ضمن صلاحيات البلديات"، لافتا إلى أن "القانون يضع المسؤولية حصرا على الحكومة ضمن تفويض تشريعي صريح" وقال: "بحسب المادة 65 من الدستور التي تنص على أن مجلس الوزراء منوط به وضع السياسة العامة للبلاد، فإن النفايات التي تعتبر موردا من موارد البلاد تندرج تلقائيا ضمن صلاحيات المجلس، والبلديات ليست مخولة قانونيا بمعالجة هذه الأزمة. هناك الكثير من المقاربات التي أغفلت القانون 444/2002 الذي وضع معايير ملزمة لجميع الإدارات والبلديات بالتقيد ببنود هذا القانون على الصعيد البيئي والذي يدخل أزمة النفايات حصرا ضمن اختصاص الهيئة الوطنية البيئية التي لم تشكل حتى اليوم".
في حين اعتبر الاستاذ المساعد في دائرة الهندسة الكيميائية والبترول في الجامعة الاميركية في بيروت جوزف زعيتر أن "النفايات التي ستذهب إلى الحرق سيكون لها أثر بيئي خطير وذلك لأن تركيبتها ستتغير، بعكس المعالجة الطبيعية للنفايات والتي من الممكن أن تنتج مواد من الممكن أن تكون أسمدة للتربة"، ناصحا بعدم "اللجوء إلى عمليات الحرق لما لها تأثير خطير على حياة الإنسان والبيئة"، مقترحا بديلا عن المحارق "اعتماد تقنيات الطمر والفرز والتدوير".
حلقة النقاش اختتمت بكلمة للنائب مخزومي وعد فيها بدراسة نتائج المؤتمر على أن يتبنى توصيات ليبنى عليها لاحقا موقف حزب الحوار الوطني من أزمة النفايات.