إنتهت الإنتخابات النيابية، فرزت الصناديق، أعلنت النتائج، وحان الآن وقت تنفيذ الوعود التي أطلقها المرشحون خلال حملاتهم لجذب أكبر عدد من أصوات الناخبين، على رأسها الـ900 ألف وظيفة التي وعد الرئيس سعد الحريري بها اللبنانيين بعد إنعقاد مؤتمر "سيدر" لدعم لبنان إقتصادياً وحصوله على قرض بـ 10 مليارات دولار، ليصل الدين العام فيه الى 93 مليار دولار.... ليتفاجأ اللبنانيون بكلام الرئيس الحريري بعدها عن أزمة إقتصادية ومالية تلوح في الأفق، وبدلاً من فتح أبواب التوظيف للشباب العاطلين عن العمل، كانت الكارثة اليوم بإغلاق مدرسة خديجة الكبرى التابعة لجمعية "المقاصد الخيرية الإسلامية" وصرف معلميهما وموظفيها.
أقر المجلس النيابي سلسلة الرتب والرواتب، مرر الضريبة الجديدة على اللبنانيين، كما تم تمرير الـ 10 مليارات دولار دين، ومع هذا وجد اللبنانيون في كلام الحريري عن تأمين هذا الكم الهائل من الوظائف نافذة أمل لهم، لكن في الوقت الذي كانوا ينتظرون بدء فتح باب التوظيف أمامهم، تفاجؤوا بتصريحاته التي حذر خلالها أننا على أبواب أزمة إقتصادية ومالية.
لن ننسى بعد ما قاله الحريري لدى إفتتاح مؤتمر "الإستثمار في البنى التحتية في لبنان" في شهر آذار الماضي من أنه "لا يخفى على أحد أن الوضع الإقتصادي في لبنان صعب، وأننا نواجه تحديات كبيرة. فمعدلات النمو منخفضة ونسب البطالة تجاوزت 30%، ومعدلات الفقر إلى إزدياد، وميزان المدفوعات يعاني عجزا، والدين العام إلى إرتفاع بوتيرة متسارعة وقد تخطى 80 مليار دولار، وعجز الخزينة وصل إلى مستويات غير مستدامة"، مضيفاً "الأزمة في سوريا ألقت بثقلها على الاقتصاد الوطني وحركة الصادرات الوطنية وتدفق الاستثمارات الخارجية، إضافة إلى تداعيات موجة النزوح الكثيفة التي أثقلت البنية التحتية والخدمات العامة وعجز الخزينة والاقتصاد بشكل عام" وان "الأزمات والخضات المتلاحقة التي تعرض لها لبنان في السنوات الماضية، سواء الداخلية أو الخارجية منها، استنزفت الاقتصاد الوطني واستنزفت مناعته وأضعفت مؤسسات الدولة. كما أن تنامي عجز الخزينة حد من قدرة الحكومة على اتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحفيز الاقتصاد ودعم القطاعات الإنتاجية"... كلام يعكس حجم الكارثة التي نواجهها، وبما أن الأمر كذلك فلماذا وعد اللبنانيين بوظائف تحسن من وضعهم الاقتصادي؟ واين هو اليوم من وعوده؟
منذ فترة ولبنان يتخذ منحى خطيراً على الصعيدين المالي والاقتصادي، فقد تراجعت التحويلات المالية للمغتربين، وانفجرت أزمة في المدارس الخاصة وفي "جمعية المقاصد"، توقفت المصارف عن إعطاء قروض سكنية، نتيجة نفاد الأموال التي خصصها المصرف المركزي، عدا عن أزمة المياومين العاملين في مؤسسة كهرباء لبنان، وازمة الضمان الاجتماعي، كل ذلك يوحي اننا على اعتاب ازمة اجتماعية خطيرة ومع ذلك لا توجد خطة إصلاحية حقيقية والإنفاق العشوائي لا يزال مستمراً، وذلك في ظل تجميد موضوع التنقيب عن النفط وغياب الاستثمارات نتيجة خشية رجال الاعمال من القيام بخطوة فيها مخاطرة.
سلسلة مؤتمرات عقدت من اجل دعم لبنان بدء من مؤتمر "باريس واحد" وصولاً الى مؤتمر "سيدر"، لم يلمس اللبنانيون منها سوى مزيداً من تردي اوضاعهم على كافة المستويات، ومع انتظار تشكيل الحكومة التي لا تزال ترزح بين التفاؤل واستبعاد حصول التوافق بين الافرقاء في المدى المنظور، يبقى على المواطن تحمل اعباء الديون من دون اي حلول، مع العلم ان تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى تجاوز الدين العام اللبناني 150% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017، ومن المتوقع أن يزيد بسرعة في ظل عجز في الميزانية يتجاوز الـ10% في الأجل المنظور، من هنا نقول ان امل اللبنانيين بمستقبل افضل في القريب امر مستحيل، وان مئات آلآف الوظائف التي وعدوا بها مجرد كلام لن يجد له على ارض الواقع تطبيق، انما العكس هو الصحيح والخشية من تسريح المزيد من الموظفين من كافة المجالات هو الحقيقة التي تفرض نفسها إذا لم يتحرك المسؤولون!