رائحة افلاس جمعية "المقاصد الخيرية الاسلامية" عادت من جديد تفوح في الأجواء، مع تداول خبر قبل أسابيع عن اتخاذ قرار بإغلاق مدارس تابعة لها، ليكسر الشك باليقين بعد الإعتصام الذي نفذه عدد من معلمي مدرسة خديجة الكبرى بسبب حسم رواتبهم والتأخر عن دفعها والخشية من أن تكون خطوة تمهيديه لصرف بعضهم، لا بل أكثر من ذلك تم تحويل المدارس المجانية المدعومة من الدولة الى مدارس تجارية، عدا عن العجز المتمادي في ميزانية مستشفى المقاصد، الظاهر من خلال خفض التقديمات شبه المجانية للمرضى المستحقين وتراجع بعض الخدمات بسبب عدم القدرة على تجديد العديد من المعدات.
الجمعية العريقة التي تعتبر ركناً أساسياً من أركان الطائفة السنية في لبنان تئن، معلنةً عن أوجاعها قبل الاحتضار، فهل من ينقذها ومعها تاريخها الطويل التي لعبت خلاله دورا وطيناً وقومياً يشهد لها به اللبنانيون؟ لكن قبل ذلك علينا طرح السؤال من أوصل هذه المؤسسة الاجتماعية الى هذه الحالة وهي التي تدير مجموعة من المدارس والمستشفيات على امتداد الوطن؟! بلا شك الامر يحتاج الى فتح تحقيق حول هدر أموالها والبيع غير القانوني لاملاكها التي هي وقف لصالح الطائفة الاسلامية وأبناء بيروت وذلك تمهيداً لمحاسبة كل من له يد بما عليه المقاصد اليوم.
نعم ليست المرة الاولى التي تمر بها "المقاصد" بأزمة مالية، لكن هذه المرة يبدو أن الامر مختلف، والمرض بات ينخر هذه المؤسسة العريقة، ما يستدعي ضرورة التدخل ومعالجته من الجهات المعنية قبل أن يصلنا خبر لفظها اخر انفاسها، ومعها الآف العائلات التي تعتاش من العمل فيها، حينها لا تعد محاولات انقاذها تجدي شيئاً. ولاشك ان تراجع الموارد المالية، الداخلية والعربية، احدى اسباب انهيار "المقاصد"، لكن خسارتها أكثر من تسعين بالمئة من موارد إيجارات عقاراتها في الوسط التجاري بعد الحرب، حيث باعت معظم اسهمها في سوليدير تحت حجة تأمين رواتب الموظفين كان اولى الضربات الموجعة، كما انه لا يمكن انكار الهدر المالي من قبل بعض عديمي الضمائر العاملين على رأسها، ما ادى الى تفاقم عجز ميزانيتها.
وفوق هذا جاءت سلسلة الرتب والرواتب لتزيد من ازمة "المقاصد" حينها اطلق مجلس الأمناء في الجمعية صرخته قائلا في بيان"إن إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب سوف يكون له تبعات بفرض أعباء جديدة على المؤسسات التربوية الخيرية وخاصة المقاصد" حيث ابدى المجلس خلال اجتماع استثنائي قلقه من "إقرار سلسلة الرتب والرواتب كما هي وأثر ذلك على قدرة جمعية المقاصد على متابعة أداء رسالتها التربوية والإسلامية في بيروت والقرى" كون السلسلة تهدد المدارس الابتدائية شبه المجانية اذ سترتفع رواتب المعلمين وفي حال تم رفع الأقساط لدفعها، سينقل الاهالي أولادهم إلى المدارس الرسمية، عندها ستضطر الجمعية الى اغلاق ابواب بعض مدارسها ما يستتبع ذلك الاستغناء عن خدمات عدد من المعلمين.
قبل يومين سقطت المعلمة "إزدهار عبد الحليم" ضحية القرارات التعسفية لـ"المقاصد"، فإبنة بلدة القرعون في البقاع الغربي أصيبت بأزمة قلبية أودت بحياتها، هذه المعلمة التي خرّجت أجيالاً تم نقلها إلى مدرسة عرسال بعدما تعرضت مدرسة المقاصد في بلدة لالا للإقفال، من دون أن تنفع كل محاولاتها مع المسؤولين المقاصديين والسياسيين ورجال الدين من أجل نقلها إلى مدرسة قريبة من مكان سكنها في بلدتها، ضاربين بعرض الحائط ما قدمته على مدى 25 سنة من التضحيات... رحلت إزدهار الى الأبد وهي في طريق عودتها من عملها في باص لنقل الركاب... هي اليوم شاهدة لما قد يحصل لالاف الموظفين والمعلمين في "المقاصد" إن لم يتحرك المعنيين وينقذوا هذه "السفينة" العريقة من الغرق، الوقت لم يعد في صالح أحد، فهل من يتحرك؟!