مع ان الوقت المتبقي من مهلة المئة يوم لحكومة الرئيس حسان دياب ليس قصيراً، وقد لا يكون بطيئاً بالضرورة، بيد ان الحكومة ليست في وضع تُحسد عليه. يُطبَق عليها من فوق ومن تحت، من الامام ومن الوراء: من قوى 8 آذار التي اتت بها، ومن معارضيها، من الاحداث غير المتوقعة التي تجبهها ومن المجتمع الدولي الذي يستعجلها الايفاء بما تعهدته. جراء ذلك ليست مهلة المئة يوم ذات معنى، ولا عادت تعهداً مقيِّداً لها.
اقل من ثلث النصف الاول المنقضي من المهلة واقع تحت قرار التعبئة العامة في البلاد المعلن في 14 آذار، والممدد الى 12 نيسان، من غير ان يكون قاطعاً بأنه تمديد وحيد لن يليه آخر. في المناقشات الدائرة في مجلس الوزراء، وعلى هامشه، ان الحكومة تأمل في ان تنتهي الحال الاستثنائية الناجمة عن تفشي جائحة كورونا في تموز، على غرار مواعيد مماثلة متقاربة وضعتها دول اخرى، بينها كبرى، رجحت التخلص من هذا الفيروس ـ على نحو مقدّر ـ ما بين حزيران وايلول.
ومع ان هذا التوقع ليس واقعياً تماماً، الا ان وزراء يعتقدون بأن الوصول الى هذه المواعيد يفترض ان يكون قاد الجائحة الى ذروتها، وباشرت مرحلة الهبوط والانحسار. من اجل ذلك، يفترض هؤلاء ايضاً تعليق مهلة المئة يوم وهي سياسية في الاصل، اسوة بتعليق سائر المهل القانونية، بعدما عرقل انتشار الجائحة الخطوات التي كانت حكومة دياب تعد لها. يقولون انهم باتوا مشتتين بين حقائبهم، وجلسات مجلس الوزراء، وتوزّعهم على طرازين من اللجان الوزارية التي تجتمع بلا انقطاع: لجان مواجهة الفيروس ولجان الخطة الاصلاحية.
وجهة نظر هؤلاء لا تعفي الحكومة من واقع انها تحكم باسمها، وتُدار من سواها. وهو ما تفصح عنه بضع ملاحظات:
اولاها، ان من السذاجة الاعتقاد بأن حكومة الاختصاصيين، غير البرلمانية، قادرة بمفردها على اتخاذ قرارات اساسية في معزل عن الفريق السياسي الذي اتى برئيسها وبها، لا سيما منها المرتبطة باستمرار نفوذ هذا الفريق في الادارة والاسلاك وقواعد التقاسم والمحاصصة. هذا الفريق السياسي غادر الحكومة، لكنه لم يغادر البلاد كي يقال ان في وسع الحكومة التخلص من تأثيره والحكم باستقلال. لا يخفي الفريق السياسي الذي يمثله الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما المشاركون في السلطة الاجرائية، انهم معنيون بكل قرار اساسي او جوهري تقدم عليه حكومة دياب، ولا يوافقون على تقليص ادوارهم التي يضطلعون بها من وراء الستارة.
الواضح ان احداً في هذا الفريق لا يُظهر نفسه موجوداً الى طاولة مجلس الوزراء، ولذا تنعقد جلساته وتتوصل الى قرارات او تعلّق العمل باخرى، ولا اسباب لانفجار الحكومة من الداخل ما دامت لا تحمل بذور انفجارها كحكومات الوحدة الوطنية.
ثانيتها، مع ان التعيينات المهمة الموضوعة على جدول اعمال مجلس الوزراء، النواب الاربعة لحاكم مصرف لبنان ومفوض الحكومة لديه والاعضاء الخمسة في لجنة الرقابة على المصارف، ارجئت من جلسة الخميس الفائت (26 آذار) الى الخميس الذي يلي، وعُزي السبب الى انه تقني جراء عدم تقدّم وزير المال غازي وزني بثلاثة اسماء مرفقة بنبذاتهم عن المرشحين لتلك المناصب... رغم ذلك، لا احد في حكومة دياب يخفي جانباً آخر من المشكلة يقيم في تنافس افرقاء 8 آذار على الوصول الى هذا المناصب.
لعل تركيز سجالاتهم على تقاسم الحصص يفصح عن اكثر من هدف ينطوي عليه الخلاف على عضوية نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة والاعضاء الخمسة في لجنة الرقابة على المصارف الى مفوض الحكومة لدى المصرف، من بينها "تنظيف" القرار المالي من نفوذ الحريرية السياسية المستمر فيها منذ مطلع التسعينات، ومحاصرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتقييد مقدرته على التحرك كبديل وحيد متاح ما دام من المتعذر اخراجه من منصبه. في سبيل ذلك بات المناخ السائد في مجلس الوزراء تغيير كامل طاقم شاغلي هذه المناصب. ما بات على حكومة دياب اظهاره، هو دورها في اقرار تعيين هؤلاء وفق الاصول الشكلية اللائقة، من خلال طرح اكثر من اسم للمنصب مع نبذة عن صاحبه. الواقع ان الاتفاق السياسي على الاسماء حصل ـ او يكاد ـ من خارج مجلس الوزراء.