استقبل رئيس الدائرة الثقافية في “القوات” جورج حايك ونجاة الجميّل والروائي عمر سعيد في لقاء مشبع بالثقافة والفكر والسياسة، وقد قدّم الضيف المميّز لحايك كتابيه الروائيين “حَجَرُ الألْف” و”من بيت الطين إلى عنّايا”.
وتحدث سعيد عن مضمون “حَجَرُ الألْف” الذي صدر حديثاً ولفت إلى انه يتناول شخصيات من عوالم التهميش، في بيئات مختلفة، لا يربطها ببعضها البعض أكثر من الجغرافيا، التي جمعتها الظروف التي حلت في أوطانها. وبعد قراءته بعض المقاطع، اثنت الدائرة الثقافية على أسلوبه السلس والممتع، وقد تداخلت فيه السير الذاتية والغيرية، وذلك في قالب أسقط من خلاله الروائي أكثر من بعد في عمله الجديد.
أما رواية “من بيت الطين إلى عنايا” فهي الرواية الأكثر شهرة، ويوضح سعيد:”أنها قصتي ومحطات عشتها من قريتي إلى عنايا، إلا أنها ليست مجرّد مدوّنات شخصيّة، بل أروي على طريقتي أحداث عشتها وكيف أكتشفت أنا المسلم أرض عنايا وقديسها شربل، وتعرّفت إلى شريكي في الوطن، حيث تربّينا على العادات والتقاليد الموروثة التي كوّنت شخصيّتي بجانبَيْها السلبيّ والإيجابيّ، مروراً بصراعات البحث عن الحقيقة، وصولاً إلى اكتشاف المعنى الأسمى وهو الإنسان والإنسانية وضرورة نبذ الحقد والكراهية والعنف!
تخلل اللقاء حوار، تبحّرنا فيه بشخصية سعيد الغنيّة ثقافياً، وهو الآتي من قريته الصّويري في البقاع الغربي التي وًلِدَ فيها عام 1965، حيث تربى في بيئة عامة تقوم على إشباع ديني غير متسامح، رغم أن والديه لم يفرّقا كثيراً بين الكنيسة والمسجد، إلا أن الحرب والنزاعات أدخلته في وجع التفرقة والإنقسامات رغماً عنه، هو الذي ذهب باكراً إلى العراق ليتخصص هناك في المسرح في ثمانينيات القرن الماضي، ويعود إلى لبنان وتعتقله المخابرات السورية وتنقله إلى سجونها في سوريا، مسقطة عليها اتهاماً ظالماً بالإنتماء إلى البعث العراقي. عانى من عانه من وجع فجّر فيه ينابيع ثقافية تمثّلت بأعمال مسرحية وروائية مبدعة.
سألنا سعيد كيف بات ملتزماً في “القوات اللبنانية”؟ يجيب:”حصلت الكثير من التساؤلات الداخلية عن القضية التي أشعر بالإنتماء اليها، فكل ما كان يحيط بي من تيارات وأحزاب لم تكن مقنعة من منظاري الوطني، تعرّفت خلال الحرب على “القوات” من خلال شبابها وكنت شاباً صغيراً، ورغم التخويف والتخوين لبيئتي من “القوات” اختبرت العكس تماماً، كنت أمرّ على حواجز “القوات” ولا أرى إلا معاملة جيدة ومحترمة، ثم تلقيت ووالدي خبر اغتيال الرئيس بشير الجميّل بكثير من الأسى، كان الحلم وتبخّر في لحظة. ومنذ أعوام قليلة كتبت رسالة على الفايسبوك لرئيس “القوات” سمير جعجع، وتكلمت فيها بصراحة عن نظرة البعض اليه وقمت بمراجعة تاريخية، ووجّهت اليه اعتذاراً بأن كل هذه الاتهامات زائفة وهو على حق بكل ما فعله، وكانت المفاجأة باتصاله بي، ثم توطدت العلاقة وقررت الانتساب إلى “القوات” بملء إرادتي”.
لا ينكر سعيد أنه يتعرّض لإنتقادات من بعض أحزاب بيئته بسبب انتمائه، إلا أنه يعيش قناعته، فالقضية اللبنانية أولاً ثم التعاطف انسانياً مع قضايا الشعوب الأخرى ومنها الشعب الفلسطيني. وما تفعله اسرائيل في غزة اليوم جريمة بحق الفلسطينيين وفق عمر سعيد، إلا ان أعمال حماس أيضاً مرفوضة بنظره، “لأنني أرفض أن يُحدّد السلاح هوية الوطن إنما الفكر!”.
في الختام، شكرت الدائرة الثقافية زيارة الروائي سعيد، وتمنّت له التوفيق في رواياته المميزة، ولا سيما إصداره الجديد “حَجَرُ الألف”.