لبنان دولة فاشلة؟

لبنان دولة فاشلة؟
لبنان دولة فاشلة؟

هل لبنان “دولة فاشلة” أم يحاول فعلا النهوض في عهد رئاسي قوي وعد بإصلاح وتغيير شامل لأوضاع ما عاد اللبنانيون يستكينون إليها؟

يبقى الأفق المستقبلي للبنان في الخانة الرمادية. فلا هو تحرّر من قيوده السياسية، ولا نجح في تجاوز أزماته الإقتصادية. وللحالين، مساحة كبيرة لصنّاع القرار الذين توّلوا السلطة بعد إنتخابات أيار/مايو، في مشهد كان يؤمل في ألا يدفع الكثير إلى التشكيك بـ”فشل” لبنان في أن يكون دولة. والكلام المباح حتى على وسائل التواصل الإجتماعي، له وقائعه ومبرراته، حتى وإن كان القمع وسيلة لإسكات طوعي لئلا يكون العهد وحكومته الأولى الموعودة، هو المستهدف الأول والأخير.

ليس سرّا القول أن مفهوم الدولة الفاشلة يعني الدولة العاجزة عن تسديد مستحقاتها وإدارة شؤونها. وفي أول ما يضبط لبنان بالجرم المشهود (الفشل)، هو إدعاء السلطة أنها “قادرة” وليست “فاشلة”. فهي تحتسب الديون من المصارف، وتستدين فوقها لتسدّد كلفة الدين العام وتغطي عجز الخزينة.

لكن ما مَن يتكلم عن الديون الاخرى المترتبة على الدولة والتي تراكمت على مدى سنوات وسنوات، وهي لمورّدين ومؤسسات خاصة وعامة، قدمت خدمات ولَم تحصّل مستحقاتها لعدم توافر الإعتمادات اللازمة. فالهدف ليس ترشيد الإنفاق العام طبعا، بل ضغط أرقام الموازنات تفاديا لتكبير حجم العجز، علما أن لبنان مطالب إنفاذا لمؤتمر “سيدر 1″ بـ”خفض العجز في الموازنة بنسبة 5% من الناتج المحلي في السنوات الخمس المقبلة بواسطة مجموعة من الإجراءات المتعلقة بالواردات، خصوصا زيادة التحصيل الضريبي، والنفقات مثل خفض الدعم لكهرباء لبنان بغية تحقيق فائض أولي”. وترجمة تلك الإجراءات وفق المنطوق الدولي، تعني “الإصلاحات” التي تبقى في حاجة إلى قرار سياسي يبدو أنه غير وارد حاليا.

 

ولا يمكن للدولة “الناجحة” التركيز فقط على سعر صرف الليرة والمشاكل النقدية، والإلتفات دوما إلى مصرف لبنان لإستنباط المخارج والحلول من دون التركيز على المشاكل المالية للدولة. وما مَن يسال عن دور وزارة المال في توفير الإستقرار المالي وعدم إعلان لبنان “دولة فاشلة”. فمسؤولية وزارة المال تتركز في رسم السياسات المالية المرتبطة بالسياسات الإقتصادية والإجتماعية، بدليل أن مظاهر الفشل تبدأ بالوزارات المرتبطة بالخدمات من جراء شحّ الموازنات وتحويلها إلى دفع رواتب ومعاشات تقاعد خيالية وخدمة دين ترتفع لتزاحم الدعم الرسمي لقطاع الكهرباء من دون أن يتوافر التيار، حتى وإن جاء على ظهر بواخر مستأجرة، فهي تزيد الكلفة بدل تقليصها، لأن سعر الفيول أويل يرتفع وكلفة الإنتاج على الباخرة أعلى من المعامل الأرضيّة الكبيرة. فالبواخر وُجدت لتكون الحل الموقت وليست الدائم.

وفشل الدولة لا يكون في الإعلان عن ذلك، بل في الواقع، وتحديدا حين تعجز الدولة عن دفع مستحقاتها. وهذه مسؤولية السلطة مجتمعة، أي مجلس الوزراء ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية.

لقد إنقضى نحو 30%؜ من زمن ولاية الرئيس ميشال عون، وهو يواجه التحديات الأكبر في تاريخ الدولة، وتاليا لَم يعد عهده في بداياته بل يتجه وبسرعة إلى منتصف الطريق. فهل يقبل بأن يتمّ إعلان “لبنان دولة فاشلة” في عهده؟ وهل يرتضي أن يساهم بعض من المحسوبين عليه في إفشال عهده؟

من المؤكد أن رئيس الجمهورية لا ولن يقبل بذلك، ولا يمكن ان يكون طرفا في نزاعات تدفع لبنان نحو الفشل. وهل كمّ الأفواه وقمع المعارضين وإستهداف “المعرقلين” يساعد العهد في تسلّم زمام الأمور؟

قد تكون هذه إحدى الوسائل لتمكين الحكام، وثمة نماذج كثيرة في العالم، لكنها أثبتت فشلها في دول تعددية مثل لبنان. لذا، باب الخيارات أمام الرئيس مفتوح على مصراعيه، لكن على أساس “التوازنات”. فالرئيس القوي هو القادر على إشراك كافة المكونات في الحكم وبشكل عادل، وهو الذي يبدأ بتنظيف بيته ولا يستخدم السلطة والمؤسسات لضرب خصومه. فلو نجحت هذه المقاربة، لما هوى قادة كبار جراءها عبر التاريخ. كذلك، فإن محاربة الفساد تبدأ بالصفقات الكبيرة والمعروفة أولا قبل أن تنزل إلى أدنى درجات الهرم لتطول الأمور الإدارية الصغرى.

أيضا، الرئيس القوي هو الذي يقف على مسافة واحدة من الجميع، ولا يعطي فريقه السياسي أولوية تقرير مصير البلاد. هذا يحصل فقط جزئيا في أنظمة الديمقراطية الأكثرية او الأنظمة الرئاسية وليس في نظام الديمقراطية التوافقية الذي كرّسه إتفاق الطائف.

لا شك في أن الخيارات الكثيرة لكن الحاجة الى واحد: الدفع نحو تشكيل حكومة شراكة وطنية يعتمد فيها رئيس الجمهورية على ركائز من كل الافرقاء الأساسيين ولو تخاصموا، فيكون هو الحكم والمرجع ولا يكون طرفا. حكومة لا يحتاج فيها ضمانات إلا من خلال تعددية المشاركين وإرتباطهم الإيجابي بها وبرئيس الجمهورية. حكومة لا تُعطى فيها الأولوية لبتّ الملفات لمصلحة فريق سياسي على حساب الأخرين، فيتضرّر المواطن من جراء الإستهدافات السياسية. حكومة اذا نجح كل وزير فيها بمعزل عن إنتمائه السياسي يكون نجاحا للعهد، ولا تُحتسب فقط نجاحات الوزراء المنتمين لتيار الرئيس السياسي بينما يٌستهدف الآخرون.

هكذا يمكن تفادي “فشل” الدولة والعهد معا، ويمكن تفادي تحوّل العهد إلى نظام ينتهي كما الأنظمة الاخرى بفشل مدوٍ. ولكن في الحال اللبنانية، قد يهوي حتى قبل أن يُقلع.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بوريل: لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة لبنانية