تجاوز مستوى الدين العالمي حالياً الـ 250 تريليون دولار. هذا الوضع يؤدّي الى تعريض تمويل الحكومات للتغيّرات المفاجئة في توجهات السوق، كما يحدّ من قدرتها على تقديم الدعم للاقتصاد، اذا ما حدث تباطؤ في النشاط أو اذا ما وقعت أزمة مالية. ويمثل دين القطاع الخاص غير المالي 63 بالمائة أي حوالى 164 تريليون دولار اميركي، فيما يستحوذ دين القطاع العام على 37 بالمائة.
الاقتصادات المتقدمة مسؤولة، وبشكل كبير، عن معظم الدين العالمي. لكن اقتصادات الاسواق الصاعدة مسؤولة عن معظم الزيادات التي حدثت في السنوات العشر الأخيرة.
على سبيل المثال لا الحصر، وحدها الصين ساهمت في زيادة الدين العالمي منذ عام 2007 بنسبة 43 بالمائة. هذا الدين يشير الى الارتفاع السريع في تكلفة خدمة الدين في البلدان النامية المنخفضة الدخل، وقد تضاعف عبء الفوائد في السنوات العشر الماضية حتى بلغ قرابة 20 بالمائة من الضرائب.
وتشير التجارب الماضية، الى انّ ارتفاع الدين والعجز في اي بلد يزيد من عمق الركود واستمراريته، والسبب بسيط، كون الحكومات تعجز عن تعميم الدعم الكافي لمساندة الاقتصاد، وكون الموازنات تصبح في مجملها خدمة دين تجعل من الصعب وضع أي مدخول في خدمة الحركة الاقتصادية المنتجة.
اقتصادياً، انّ ارتفاع مستويات العجز والديون العامة ليست بالضرورة غير مرغوب فيها، وبعض الدول تقترض للاستثمار في الهياكل الأساسية، الأمر الذي يعزّز نمواً طويل الامد، ما ينمّي بدوره الإيرادات ويساعد على خدمة الدين بشكل افضل.
الواقع، انّ ما يقرب من ثلث عدد البلدان ذات الدخل المنخفض، مثل بنغلاديش وكينيا ومدغشقر ونيكاراغوا ومولدوفا، ارتفع العجز فيها بالقدر نفسه لارتفاع الاستثمارات. وبعض الدول عانت من المديونية والعجز ولكنها استطاعت ان تنمّي قطاعات درّت أموالا كبيرة على الدولة وعملة اجنبية ساهمت الى حد بعيد في تغيير الصورة بشكل عام او تحسينها على الاقل.
على سبيل المثال لا الحصر، تخلّفت اليونان، والتي كانت في العام 2015 على شفير الهاوية، عن دفع ديونها، فيما سجلت في المقابل في السنين الماضية نمواً مضطرداً في قطاعها السياحي، والذي زاد بنسبة ملحوظة تجاوزت 6 بالمائة، الامر الذي ساعد في تحسين النمو وتراجع البطالة.
هذا لا يعني بالطبع انّ اليونان فعلت ذلك من دون مساعدة من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، الا انّ سياساتها الداخلية والتقشف الذي خضعت له ساعدا الى حد كبير في تخفيف حدة الأزمة. وللعلم أيضاً، لم تسأل الدولة الشعب ولا اجرت استفتاء، انما وضعت خطة تقشفية طالت جميع الفئات دون استثناء ودون تمييز وكل حسب قدرته.
ونحن في لبنان نعاني من أزمة مثلثة الأبعاد: إنعدام الثقة، السرقة، والفساد، وهي امور تترتب عليها عوامل كثيرة لاسيما انّ استئصالها يتطلب وقتاً. اما الثقة فهي المقدار الذي يرتاح فيه المواطن لحكومته وسياساتها، وبصراحة الثقة معدومة. فيما السرقة والفساد، وللأسف، هما اسلوب حياة ومواطنة اعتادوا عليهما حتى اصبحا من ضمن الواردات المُستخدمة للوصول الى الغايات المرجوة.
لذلك نرى ان ليس هناك ولغاية الآن عوامل سريعة التنفيذ قد تخفّف من الدين وخدمته، انما قد تحدّ من الهدر وتُلزم الناس بعملية طوعية تقف معها كل المصاريف التي، وفي السنوات المنصرمة كانت تدفع دون حسيب او رقيب ولخدمات اصبحت حسب بعضهم مسؤولية الدولة تجاههم وسرقات اصحابها محمية من زعمائهم، مطمئنين الى انه لا توجد ملاحقه او عقوبة.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما الذي يستطيع المقرضون او المقترضون القيام به؟ هناك اولويات للسياسات يمكن ان تساعد في إحداث فرق مؤثر، قد يكون اهمها بذل جهود اكبر للتأكّد من انّ الاقتراض السيادي يحقق الاستدامة المالية، وعلى المقترضين ان يحدّدوا خططاً دقيقة للإنفاق من المالية العامة ولعجزها، حتى يظل الدين العام الى مسار يمكن الاستمرار في تحمّله.
وهذا الامر لم يلحظه المسؤولون اللبنانيون. فبتنا على شفير الهاوية وبات الدين العام حملاً لا نستطيع خدمته، وبات المقرضون غير متحمسين بتاتاً للمساعدة، حتى ولو جزمنا انّ الأمور قد تكون اقرب الى فقدان السيطرة عليها.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا.