كتيت جنى جبور في جريدة “الجمهورية”:
من سنة الى أخرى، ومع تقدّم العلوم الطبية، ترتفع آمال العالم من ناحية إمكانية القضاء على الامراض المستعصية والفتّاكة، أو الشفاء منها. ولم تخل سنة 2018 المشرفة على الانتهاء، من بوارق أمل وتفاؤل، إن كان جرّاء الاكتشافات العالمية الحديثة، أو من خلال احدث العلاجات التي شهدها وطننا لبنان.
صحيح أنّ الكثير من الدراسات والابحاث والاكتشافات والاختراعات، أبصرت النور في الـ2018، ألّا أنّه لا يخفى على احد أنّ مسار العلوم يعتمد على التراكم، وقد تحتاج الخطوات الطبية الواعدة التي تحققت في السنة الحالية، إلى مزيد من التجارب. وفي حال التوصّل إلى علاجات ناجعة، تحتاج المؤسسات الأكاديمية إلى من يتبنى مشروعاتها لإنتاج دواء بثمن مناسب، يضمن العلاج لملايين المرضى في العالم.
لقاح ضد السرطان
من محطات الطب المهمة في العام الحالي، إعلان باحثين من جامعة ستانفورد الأميركية، عن تطوير لقاح يستطيع القضاء على الأورام السرطانية. هذا اللقاح جرى تجريبه على فئران مصابة بالسرطان، وتمكّن من القضاء على الأورام السرطانية على الحيوان.
وفي حال نجح هذا الأمر لدى الإنسان، فإن علاج المرض الخطير سيكون أكثر سهولة. ويؤدي العلاج الكيميائي للسرطان في الوقت الحالي إلى تضرر الجهاز المناعي، وتظهر مضاعفات جانبية خطيرة لدى الكثير من المرضى.
ويؤكّد الأستاذ والباحث المشرف على الدراسة، رونالد ليفي، «ليس من حدود لأنواع الأورام. كذلك، وفي سياق السرطان ايضاً، أجازت هيئة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، أول دواء في العالم يمكنه أن يعالج أي نوع سرطان من منبعه وأصله، في بشرى سارة لجميع المرضى (الكبار والصغار) بهذا المرض. ويعتمد العقار الجديد الذي يحمل اسم «فيتراكفي» (Vitrakvi)، على معالجة الطفرات الوراثية للأورام السرطانية، بغض النظر عن نوع المرض أو مكان نشأته».
زراعة وجه استثنائية
خلال 2018، أنجز جرّاحون فرنسيون «معجزة طبية» مثيرة، بإجرائهم عملية زرع وجه للمرة الثانية للمريض نفسه، الذي لم يتم الكشف عن اسمه، وقد خضع لعملية زراعة وجه قبل 7 سنوات، إلا أنّ جسمه رفض الزرع بصورة قوية ومفاجئة، وأمضى المريض، وهو في الأربعينات من عمره، شهرين في المستشفى دون وجه، إذ وضعه الأطباء في غيبوبة بعد أن أزالوا «الوجه الأول»، الى حين العثور على متبرّع مناسب للوجه الثاني. واستغرقت العملية يوماً كاملاً. ولن يتمكن الأطباء من معرفة ما إذا نجحت العملية أم لا، قبل بضعة أسابيع.
والجدير بالذكر، أنّ عمليات زراعة الوجه نادرة جداً، إذ أجريت نحو 40 عملية فقط حتى الآن. ويتوجب على المرضى أن يستمروا بتناول أدوية تثبط عمل الجهاز المناعي، كي لا ترفض أجسادهم الجسم الدخيل. ومن العوارض الجانبية لهذه الأدوية، أنّها تجعل المرضى عرضة للإصابة بالالتهابات والسرطان.
دواء يحمي من نوبات القلب
يموت سنوياً 610 الف شخص بسبب أزمات القلب في الولايات المتحدة لوحدها، ما دفع احدى الشركات، الى تطوير دواء يُعرف بـ» Vascepa» يمكنه أن يخفّض احتمال الإصابة بنوبة القلب حتّى الـ25 في المئة.
ويباع هذا الدواء بناءً على وصفة الطبيب، ويُقدّم للأشخاص الذين يتبعون نظاماً غذائياً منخفض الدهون، مثل المصابين بارتفاع الكولسترول. ووافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على هذا الدواء، في 2015، لكن التجربة أثبتت خلال السنة الحالية أنّه يؤدي دوراً ناجحاً في خفض بعض أنواع الدهون الضارة في الجسم.
بشرى لمرضى الصداع النصفي
في ظل عدم وجود أي علاج ناجع وتام لمرض الصداع النصفي المعروف بـ«الشقيقة»، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في ايار 2018، على دواء «Aimoving» الذي يقتضي العلاج بواسطته على إعطاء حقنة واحدة في الشهر من أجل تعطيل بعض الجزيئات المسؤولة عن الألم الناجم عن المرض.
وتمّت تجربة هذا الدواء، ثلاث مرات. وقال المرضى الذين تلقوا الحقن، إنّ وضعهم تحسن على نحو ملحوظ، كما أنّهم شهدوا عدداً أقل من نوبات المرض مقارنةً بالسابق.
زراعة رحم من متبرّعة متوفّية
وفي تطور آخر، قال أطباء إنّ امرأة في البرازيل وضعت مولودة، بعد أن خضعت لعملية زرع رحم من متبرعة متوفية، في أول حالة ناجحة من نوعها. وشملت الحالة توصيل أوردة من رحم المتبرعة بأوردة المتلقية، وكذلك توصيل الشرايين والأربطة والقنوات المهبلية.
وتأتي الولادة بعد فشل 10 حالات سابقة، جرى خلالها نقل أرحام من متبرعات متوفيات، في إنجاب مولود حي. ونوّهت أوساط بأهمية هذه العملية، باعتبارها أنها قد تقدّم للنساء اللواتي يعانين من العقم الرحمي إمكانية الحصول على مجموعة أكبر من المتبرعات المحتملات.
عدسات لاصقة للسكري
بما أنّ مرضى السكري يحتاجون كثيراً إلى الانتباه لمستوى الغلوكوز في الدم، طور معهد «أولسان» الكوري الجنوبي للعلم والتكنولوجيا، عدسات لاصقة قادرة على مساعدة من يعانون المرض.
وأوضحت المؤسسة الأكاديمية المرموقة، في بيان رسمي، أنّ هذه العدسات تعتمد على دموع الإنسان لمراقبة المستوى الذي يصله الغلوكوز.
وتمّت صناعة هذه العدسات اللاصقة من مادة النانو، وهي رقيقة جداً حتى لا تؤثر على الرؤية لدى الإنسان، لكن هذه العدسات جرى تجريبها على الأرانب فقط حتى الآن.
بخاخ الاكتئاب
أعلنت احدى الشركات نموذجاً لبخاخ يمكن أن يُستخدم في علاج مرض الاكتئاب، من خلال الاعتماد على العقار المعروف بالكتامين منذ عقود عدة. وأجرى باحثون تجربة شملت 236 شخصاً يعانون حالات اكتئاب تستعصي على الأدوية التقليدية، ثم رصدت آراء 236 شخصاً حول تأثيرها.
وأظهرت التجربة أنّ من استخدموا بخاخ الأنف إلى جانب الأدوية التقليدية شعروا بتحسن ملحوظ، خلال 4 أسابيع فقط، بخلاف من لم يستخدموا بخاخ الكيتامين.
أهم الإنجازات اللبنانية
بالانتقال الى لبنان، شهدت السنة الحالية سلسلة من اهم الجراحات الطبية، والعلاجات الحديثة التي تفرّد بها وطننا في المنطقة كلها، ليبرهن من عام الى آخر أنه مستشفى الشرق.
عملية بالمنظار بلا فتح الجمجمة
نقلة نوعية في جراحات قاع الجمجمة حققها لبنان، من خلال القيام بعملية بواسطة المنظار داخل الأنف لاستئصال ورم في العصب البصري كان ممتداً حتى الشق المداري الأعلى.
هذا الإجراء الاول من نوعه الذي جرى في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، ساهم في إنقاذ حياة طفلة، واتاح للجراح إمكانية استئصال الأورام داخل الدماغ، وفي الجزء العلوي من العمود الفقري من دون الحاجة لإحداث شقوق كبيرة أو إزالة أجزاء من الجمجمة، مما يساهم في التماثل للشفاء في وقت قصير والحد من نسبة الألم أثناء التعافي.
وفيما كان يعتمد الاطباء في السابق، لمعالجة هذا النوع من الأورام، التي تندرج ضمن إطار أورام قاعدة الجمجمة، على جراحة الدماغ المفتوح، محاولين دفع الدماغ للوصول الى الورم، برزت هذه التقنية لتعالج 60 الى 70 في المئة من الاورام السرطانية الحميدة في قاع الجمجمة.
وفي وقت كانت الجراحة التقليدية بحاجة الى حوالى الـ17 ساعة داخل غرفة العمليات، تراجعت هذه المدّة الى النصف مع تدخّل المنظار.
أمل جديد لأمراض القلب المستعصية
عندما كان مريض القلب يعاني سابقاً من انسداد تام في الشريان، لم تكن الخيارات العلاجية المتاحة لإنقاذ حياته كثيرة. أمّا اليوم وبفضل التطوّر الطبّي الحاصل، أصبح العالم يضمّ 2 في المئة من المراكز التي باستطاعتها علاج هذه الحالات المستعصية وإنقاذ المريض، واحد منها موجود في لبنان.
ففي الماضي كانت عمليات القلب المفتوح شائعة، لكنها أصبحت اليوم أقل انتشاراً مع توافر تقنيات التدخل المتطورة والتي وفّرت العلاجات المتطوّرة لفتح الشرايين المغلقة تماماً عبر الجلد والتي تُعرف بالـ«Complex Angioplasty».
ويُعتبر هذا التدخل الحديث، من العمليات الدقيقة جداً والمعقّدة والتي تتطلب فريقاً متكاملاً متخصّصاً، وهذا الامر موجود في الوحدة المتخصّصة التي أُنشأت لعلاج إنسدادات الشرايين الكاملة والمستعصية للقلب في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، ما جعله يتلقّى دعوة للانضمام إلى السجلّ الأميركي العالمي لإنسدادات الشرايين.
وبالتالي فإنّ جميع الحالات التي يقوم بها المركز يتمّ تدوينُها في السجلّ الأميركي العالمي ويقوم الخبراء الدوليون بمراجعتها، ما يُشكّل دافعاً كبيراً للحفاظ على المعايير العالية خلال إجراء هذه العمليات التداخلية الشديدة الدقة.
إستبدال صمّام عبر الجلد
وفي اطار القلب ايضاً، إجراء علمي جديد يُضاف إلى سجل الإنجازات الطبية اللبنانية، حيث تمكّن لبنان من استبدال الصمام التاجي لإدخال صمّام عبر الجلد بدل القيام بعملية القلب المفتوح.
ويُعتبر هذا الإجراء متقدماً وفريداً من نوعه، حيث يقدّم خيارات جديدة للمرضى غير القادرين على تحمّل عمليات القلب المفتوح المتكرّرة.
كما أنّ هذا الإجراء الذي حصل للمرة الاولى في لبنان، يوفّر على المريض ضرورة البقاء 5 ايام في المستشفى، وهي المدة التي تتطلّبها الجراحة التي تستدعي شقّ القلب، فيما يمكن للمريض الخروج في اليوم التالي الى منزله إثر استبدال الصمّام عبر الجلد.
نجاح أول عملية زرع رحم
تُعتبر عملية زرع الرحم ابتكاراً جديداً فريداً من نوعه، وهو قيد التقييم والتطوير. في هذا الإطار، وتحديداً في مستشفى مركز بلفو الطبي، تمّ الإعلان عن نجاح اول عملية زرع رحم في لبنان، ضمن برنامج بحث علمي، أجراها فريق طبي لبناني بالتعاون مع فريق طبي سويدي متخصّص، ما شكّل بارقة أمل للبنان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا.
ونجاح هذه العملية وضع لبنان في قائمة البلدان العشرة عالمياً التي تعيد الأمل للنساء غير القادرات على الإنجاب.
علاج السكتة الدماغية
تُعتبر السكتة الدماغية واحدة من حالات الطوارئ الطبّية الأكثر خطورةً وانتشاراً في العالم. وفي لبنان، يُعتقد أنّها السبب الرئيسي الثاني للوفاة، وواحدة من الأسباب الرئيسة للإعاقة.
وتمكّن لبنان من تحقيق قفزة نوعيّة من خلال افتتاح المركز الطبي في الجامعة اللبنانية الأميركية- مستشفى رزق، كمركز للوقاية والعلاج من السكتة الدماغية، والذي يضم طاقماً طبياً كاملاً ومتجانساً وأحدث المعدات والإرشادات العالميّة، اضافةً الى مكان لهبوط الطوافة التي تنقل المرضى من على سطح المستشفى بالتعاون مع الجيش والصليب الاحمر، وذلك لنقل المريض بسرعة للحدّ من المضاعفات خصوصاً في ظلّ زحمة السير الخانفة التي تشهدها طرقات لبنان.