يبدأ الطفل بالنطق خلال الأشهر الأولى من حياته. ولا يقتصر النطق فقط على الكلام بل أيضاً على إصدار الأصوات والنغمات. كما يتفاعل الطفل مع أمه وأبيه اللذين لا ينفكان عن التكلم معه، ما يعزّز التفاعل الإجتماعي لديه. والجدير بالذكر أنّ النطق يساعد في تواصل الطفل مع عالمه الخارجي. ولكن ماذا عن الطفل الذي يتأخر بالنطق؟ متى يجب أن يقلق الأهل؟ وما هو دور الأخصائيين في هذا النطاق؟
جريدة «الجمهورية» أجرت مقابلة مع أخصائية النطق واللغة والمتخصّصة في المتابعة النفس-جسدية، الآنسة ساندري فرحات ملحم، حيث دار الحديث حول موضوع النطق عند الأطفال بشكل عام والمشكلات التي يمكن أن تكون سبباً مباشراً لتأخره.
نموّ النطق عند الطفل
فسّرت أخصائية النطق واللغة، الآنسة ملحم بأنّه «خلال أول عشرة أشهر من حياة الطفل، يبدأ النطق وعندما نتكلّم عن النطق عند الطفل، يعني ذلك التواصل على التفاعل مع صوت الأم وصوت الأب. كما يبدأ الطفل بالضحك والمناغاة. ويفرح الطفل في هذه المهمة بإصدار الأصوات. أما في الشهر الحادي عشر، فيبدأ الطفل باستخدام الكلمات ويستطيع أن يفهم حوالى الثلاثين كلمة. على عمر السنتين، يصل مخزون الطفل اللغوي الى ثلاث مئة كلمة ويستطيع أن يربط كلمتين أو ثلاث في جملة (بدون إحترام قواعد اللغة) كما يمكنه لفظ اسمه.
على عمر الثلاث سنوات، يستطيع الولد التعبير بجملة مركبة من ثلاث او أربع كلمات باستعمال الأفعال والصفات والضمائر ويبدأ بسؤال «لماذا؟». أما في عمر الأربع سنوات، يتطوّر مخزون الطفل حتى يصل الى تسع مئة كلمة. يستطيع احترام القواعد اللغوية بشكل أدق في الجمل، كما ويمكنه ربط جملتين والإخبار عن نشاطاته».
وتضيف أخصائية النطق واللغة، بأنّ الكلام «يستمر في تطور عند الولد تدريجياً حتى عمر الست سنوات من ناحية استخدام الجمل المركبة والطويلة وصياغة الافعال بحسب موقعها في الجملة واستخدام الكلمات التي تدل على المكان والزمان بشكل صحيح».
وماذا عن تطور اللفظ عند الطفل؟
لا يتطور فقط إستخدام الكلمات ولكي أيضاً اللفظ. في هذا المضمار، تفسّر الآنسة «ملحم» بأنّ «موضوع تطور اللفظ عند الطفل، يبدأ بلفظ الأصوات الحلقية (ع، آ) من ثم يلفظ حروف الشفة (م، ب) ويجمعها مع الحروف الحلقية. بعدما يتمكن الطفل القيام بما يمكن أن نطلق عليها «المهام» بالنسبة اليه، يبدأ بلفظ الحروف السنية (د، ت) ثمّ الأنفية (ن) وأخيراً الحروف الانسدادية الخلفية (ك، غ).
يتابع إكتساب الحروف تدريجاً حتى عمر الست سنوات». فلا يجب أن يهلع الأهل إذا لم يقدر الطفل التلفّظ بالأحرف كلها بشكل صحيح. لأنه هو في طور التعلّم والإكتساب.
متى يجب أن يقلق الأهل عندما لا يتكلم الطفل؟
تعتبر الآنسة ساندري ملحم، أخصائية النطق واللغة ومتخصّصة بالمتابعة النفسجدية، بأنّ «لتأخّر النطق عند الطفل، توجد علامات تحذير على الأهل الإنتباه إليها وهي:
– خلال أول سنة من حياة الطفل: غياب الأصوات.
– على عمر السنة والنصف: عدم ظهور أيّ كلمة.
– على عمر السنتين: عدم ربط كلمتين.
– على عمر الثلاث سنوات: كلام غير مفهوم من الجميع، عدم إستعمال الـ»أنا»، عدم تركيب جملة من ثلاث كلمات.
الأسباب العامة للتأخّر بالكلام
هناك أسباب كثيرة يمكن أن تكون سبب تأخر كلام الطفل وتكون عادة، خارجة عن سيطرة الأهل. ومنها: ضعف في السمع لأسباب فزيولوجية طبية مختلفة.
كما وجود متلازمة مرضية (كمتلازمة داون وغيرها التي تؤثر على نطق الكلمات…). ووجود أسباب مرتبطة بإصابات خلال الولادة (إصابات تؤثر على الدماغ أو الجهاز العصبي). ولا يمكن أن ننكر وجودَ أسباب وراثية، وبعض الإضطرابات كعثر الكلام، وغيرها من الأسباب.
ما هي الأسباب النفسية لتأخّر الكلام عند الطفل؟
تفسّر الآنسة ملحم بأنّ «وجود الحافز أمرٌ مهم جداً في تطوّر اللغة عند الطفل. لذلك، غيابه يؤثر سلباً في قدرة الصغير على التواصل. تجاهل الطفل فترات طويلة وفي مناسبات عدة وعدم تشجيعه على التواصل مع محيطه ومع الأولاد في مجتمعه يؤخّره عن التقدم. كذلك، الإهتمام المفرط من قبل الأهل الذي يؤدي إلى إتّكال الطفل على أهله في غالبية النشاطات اليومية وبالتالي في الطلب والتعبير عمّا يريد.
كما وجود أخ أو أخت أصغر في العائلة يحثّ الطفل في بعض الحالات على الشعور بالغيرة وبنقص الإهتمام به وبالتالي يؤدي إلى تأخّر الطفل وعودته إلى مراحل سابقة من الكلام بهدف طلب الإهتمام أو التشبّه بأخيه أو أخته الأصغر منه. وأخيراً، إذا كان الوالدان متطلّبين من ناحية قدرات الولد، أو يتكلّمان معه بعدة لغات يمكن أن تؤثر في تأخّر نطقه».
ما هو دور الأهل في تطوّر الكلام عند الطفل؟
يلعب الأهل دوراً مهماً في تطور الكلام واللغة عند الطفل. فيبدأ التواصل بين الطفل وأهله منذ ولادته. كما نوعيّة التفاعل النفسي بين الأهل والطفل تؤثر في تطوره بشكلٍ كبير. لذا على الوالدين تكريس جزء كبير من وقتهم لطفلهم من خلال تقليدهما والأصوات اللتي يصدرانها.
لذلك، على الأهل جميعاً أن يجعلوا من الوقت الذي يقضونه مع أولادهم، وقتاً غنياً بالتواصل، لفظياً كان أو غير لفظي. ومن المهم أن يفسّر الأهل أيّ نشاط يقومون به بالتحدّث (تحضير الطعام، الحمام، غسيل اليدين،…) ليغذّوا مخزونه اللغوي على صعيد الفهم والتعبير. ومن خلال اللعب مع أهله، يستطيع الولد تعلّم الكثير من أسس التواصل والكلام، والأخذ في الإعتبار وجود الشخص الآخر. علاوةً على ذلك، قراءة القصص للطفل بانتظام تساعد على تطوير مخيّلته وتغذية مخزونه اللغوي بشكلٍ أسرع.
ما هو دور أخصائية النطق في تأخّر الطفل في الكلام؟
وتنهي أخصائية النطق واللغة، الآنسة ساندري ملحم، بأنّ «عند تأخّر الطفل في الكلام، يلعب أخصائي النطق واللغة دوراً في إعادة تعليم اللغة وإعادة تأهيل قدرات الطفل على التواصل مع محيطه. يبدأ دوره بتقييم شخصي للطفل، الذي يساعد على معرفة نقاط القوة والضعف لديه. بعد ذلك، يضع خطة علاجية دقيقة وملائمة لقدراته.
من المهم تدخّل الأخصائي على عمر مبكر لإمكانية الوصول إلى الأهداف بشكلٍ أسرع والعودة بقدر المستطاع إلى الأسس الطبيعية للتطور. يعمل المعالج في جلسات مع الولد، من خلال الألعاب والأغراض التي تهمّه وتساعده على تعزيز التواصل غير اللفظي (التواصل البصري، تقليد الحركات والأصوات، الإنتباه البصري والسمعي، الذاكرة السمعية والبصرية…)، على توسيع مخزونه اللغوي وعلى تركيب الجمل بشكلٍ صحيح ومفهوم.
كما ويعمل الأخصائي على مساعدة الولد للفظ الأصوات والكلمات بشكل صحيح وتطوير المهارات البراغماتية عند الطفل، ألا وهي القدرة على إستخدام اللغة ضمن النطاق الإجتماعي. يلعب الأخصائي أيضاً دوراً مهماً في مرافقة وإرشاد الأهل وفي إعطائهم النصائح التي تساعدهم على تطوير قدرات طفلهم بشكلٍ أسرع».
