تنامت المخاوف مما قد تحمل المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد الحدث الأمني الذي هزّ ضاحية بيروت الجنوبية، ما جعل الملف النقدي وتحديداً سعر صرف الليرة اللبنانية، حديث الساعة بين المواطنين اللبنانيين، في ظل الظروف غير المستقرة التي تمرّ بها البلاد على الصعيدين المالي والاقتصادي.
الشعور بالخوف شعور طبيعي في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، واللبناني لم ينسَ بعد أزمة الليرة التي عصفت بلبنان مطلع التسعينيات، يومها الظروف كانت مختلفة تماماً. خرج تقرير وكالة فتيش مخفّضاً تصنيف لبنان إلى CCC مترافقاً مع تقييم وكالة ستاندرد أند بورز الذي منح البلاد مهلة 6 أشهر لسلوك طريق التصحيح المالي لمنع تخفيضٍ للتصنيف شبيهٍ بما قامت به فيتش، لتأتي التطورات الأمنية مع الاعتداء الإسرائيلي الأخير في الضاحية الجنوبية لبيروت، وما قد يحمله من تبعات على الصعيد الأمني، مع الأخذ بعين الاعتبار عودة ملف العقوبات إلى الواجهة، وكلها عوامل رفعت أسهم المخاوف بين اللبنانيين حول استقرار سعر صرف الليرة الذي شكّل عنوان المرحلة منذ أشهر نتيجة ارتفاع حدة الأزمة المالية والاقتصادية، والحديث عن تعثر من هنا، وتهويل بالانهيار الكبير من هناك، وغيرها من الشائعات التي أجّجت المخاوف.
استقرار الليرة مقدّس
ما زاد من المخاوف في الأسواق أيضاً، أسعار الصرف التي اعتمدها بعض الصيارفة، مستفيدين من الأزمة لتحقيق مكاسب إضافية، حتى ذهب البعض منهم لبيع الدولار الأميركي عند مستويات تخطت 1570 ليرة، كما انتشرت الأخبار بين المواطنين، ليتم الحديث عن ارتفاع في سعر صرف الدولار نسبة لليرة اللبنانية. في هذا السياق، تؤكد مصادر مصرفية مرة جديدة أن كل المصارف اللبنانية ملتزمة سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل مصرف لبنان، وما يجري مع بعض الصيارفة أمر طبيعي ومحدود جداً لا يؤدّي إلى ولادة سوق سوداء، ومتى وصلت أسعار الصرف في هذه السوق الموازنة إلى مستويات تمسّ بالاستقرار النقدي، حكماً سيتدخل مصرف لبنان وتتدخل السلطات المالية والرسمية لوضع حد لهذه الظاهرة. وتأتي خطوات بعض الصرافين بالتوازي مع وضع مصرف لبنان سقوفاً محددة للسحوبات بالدولار الاميركي يومياً من المصارف، بالإضافة إلى تحديد سقوف للتحويلات ضمن كوتا يومية محددة تُعتبر إجراء احترازياً ومهمّاً لحماية الاستقرار النقدي، ومنع إخراج العملات الصعبة من الأسواق نحو الخارج نتيجة المخاوف غير المبررة والتي تنعكس على الاستقرار النقدي.
وعن ارتفاع سعر صرف الدولار لدى الصرافين إلى مستويات تفوق السعر المحدد من المركزي، يوضح سلامة أنه "من الطبيعي والمقبول أن تتحرك أسعار الصرف لدى الصرافين بمستوى يفوق السعر المحدد من المركزي بنسبة عشرة في المئة، ولا سلطة مباشرة للمركزي على سعر الصرف في السوق الموازية، أما المصارف وحفاظاً على الدولار ومنعاً لتهريبه إلى الدول المجاورة، فتلتزم بكوتا يومية لا تستطيع أن تتجاوزها، ولكن السوق مستقر ومتوازن"، يختم سلامة.
وتحافظ الأسواق اللبنانية على استقرارها، وفتحت، اليوم الاثنين، على طلب طبيعي جداً على الدولار، هذه الأسواق التي شهدت ظروفاً أقسى بكثير من الظروف غير المستقرة التي تمر بها البلاد حالياً، ومنها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأحداث 7 أيار، والعدوان الاسرائيلي في العام 2006 وغيرها، وصمدت بقوة، حتى بقيت عمليات التحويل خلال هذه الفترات الماضية محدودة جداً لم تتخطَّ 15% في أسوأ الظروف. وتشدد هذه المصادر أيضاً على أهمية الاحتياطات الأجنبية التي كوّنها مصرف لبنان وتعزز من خلال الهندسات المالية التي قام بها حاكم المركزي رياض سلامة وأشادت بها المؤسسات الدولية والمصارف العالمية وآخرها تقرير بنك باركليز، وتقييم وكالتَي فتيش واستاندرد أند بورز. فقد سُجلت المزيد من الارتفاعات للإحتياطات بالعملات الاجنبية لدى مصرف لبنان ضمن ميزانية المركزي خلال النصف الاول من شهر آب الحالي حتى وصلت الاحتياطات الاجنبية إلى ما يقارب 37 ملياراً و250 مليون دولار نتيجة العمليات المصرفية الأخيرة بالمقارنة مع ما يقارب 37 ملياراً و80 مليون دولار نهاية شهر تموز الماضي. يُضاف إلى هذه الاحتياطات، إحتياطي مصرف لبنان من الذهب الذي ارتفعت قيمته بأكثر من 26% بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي وصلت قيمته إلى 13 ملياراً و913 مليون دولار، ما يعني ان لدى مصرف لبنان احتياطات تقارب الـ 51 ملياراً و163 مليون دولار، وهي احتياطات تؤمّن درع وقاية وحماية لليرة اللبنانية، وتغطي أي طلب على الدولار، كما تساهم هذه الاحتياطات بتدعيم نسبة تغطية الموجودات الخارجية لدى المركزي للكتلة النقدية المتوفرة بالليرة اللبنانية بأكثر من 80% بالمقارنة مع نسبة تقارب 40% في الدول التي تتمتع بنسبة تصنيف مشابهة بالتصنيف الممنوح من الوكالات للبنان.
شائعة إقتطاع أموال المودعين
علاقة المودعين مع المصارف هي علاقة ثقة، وهذه الثقة في محلها لكون مصرف لبنان يسهر على تنظيم هذا القطاع ومراقبته، والأهم أن القطاع المصرفي يأخذ كل الاحتياطات اللازمة بالنسبة إلى إدارة الأموال وحماية الودائع مع التأكيد على أهمية نسب الملاءة المرتفعة التي تتمتع بها المصارف اللبنانية التي ما زالت فوق 12% بعد تخفيض تصنيف البلاد من قبل فيتش. وهي نسبة تتخطى متطلبات "بازل 3" عند 8%. أيضاً، أصدر المركزي هذا العام تعميماً آخر يسمح للمصارف التي استفادت من العمليات المالية عدم توزيع أرباحها ولكن رسملتها، ومن هنا يضع المركزي كل إمكاناته للحفاظ على ملاءة قوية بالنسبة للقطاع. أما السيولة في القطاع المصرفي فجيدة وتعززت جراء سلسلة تعاميم أصدرها المركزي تطالب المصارف العاملة في لبنان بتحقيق نسبة سيولة مرتفعة تلتزم المصارف الحفاظ عليها، فيما محفظة التسليفات التي تشير إلى مؤونات صافية التي تكوّنها المصارف تقارب 5.4%، وهي نسبة مهمة ترفع من هامش الارتياح بالنسبة للمحفظة الائتمانية لهذه المصارف. فالقطاع بالفعل، يتمتع بسيولة مرتفعة وإمكانات لمواجهة أي مخاطر ولحماية أموال مودعيه، ففي آخر 25 سنة، لم يخسر أي مودع في المصارف اللبنانية أمواله، وكل التجارب السابقة أثبتت أنّ الودائع المصرفية اللبنانية محمية.
حماية الليرة
السياسة النقدية في لبنان هي سياسة الثبات النقدي التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان منذ توليه سدة الحاكمية، وتقوم على استقرار في سعر صرف الليرة وسعر الفائدة على الأمد القصير. ولكن، ما هي الأسلحة التي يمتلكها سلامة لحماية الليرة؟
- الاحتياطات الأجنبية المرتفعة جداً
- الهندسات المالية وهدفها تدعيم إحتياط مصرف لبنان
- أسعار الفوائد التي تحد من الطلب المرتفع على الدولار
- محدودية الكتلة النقدية في الاسواق والتي تساهم في حماية الاستقرار النقدي ونسب التضخم
- مصداقية حاكم مصرف لبنان الذي تم اختياره للعام الرابع ضمن أفضل حكام البنوك المركزية في العالم.
والمهم جداً التذكير بما قاله سلامة لـ"النهار" في 30 تموز الفائت، نافياً كل ما يحكى عن إمكان تحرير سعر الصرف الذي سيبقى ثابتاً لفترة طويلة جداً، فالتحرير ليس في مصلحة لبنان، وهو غير وارد إطلاقاً.
موريس متى - النهار