من يعلنون ليلاً نهاراً أن التقشف لم يعد خياراً، ليبرروا مدّ اليد إلى حقوق الموظفين والمتقاعدين، لم يترددوا للحظة في إعفاء كبار المالكين والمستثمرين من كلفة هذا التقشف. وهو ما يؤكد ترداد النواب الإشارة إلى أن بعض مواد مشروع الموازنة كانت مفصّلة على قياس أشخاص.
واحدة من تلك المواد هي المادة 51، التي تنص على: إجراء إعادة تقييم استثنائية للأصول الثابتة للمكلّفين بضريبة الدخل والعقارات، لمرة واحدة فقط، وضمن مهلة تنتهي في 31/12/2019، لتصحيح آثار التضخم النقدي الناتج عن التغيير في قيم تلك الأصول (بما فيها الأسهم وسندات الدين وسندات وحصص المشاركة والعقارات والموجودات الثابتة الأخرى). وتُخضِع هذه المادة الفروقات الإيجابية الناتجة عن عملية إعادة التقييم لضريبة نسبية جديدة معدلها ثلاثة في المئة من قيمة هذه الفروقات بدلاً من عشرة في المئة، وبالنسبة إلى العقارات لضريبة 2 في المئة بدلاً من 15 في المئة.
بحسب تقديرات وزارة المال، يؤمن هذا الإجراء إيرادات للخزينة تصل إلى 100 مليار ليرة، انطلاقاً من أنها ستحفّز المعنيين على إعادة تقييم أصولهم، لما سيوفرونه من الضريبة. تبرر الحكومة خطوتها هذه بتمكين المكلّفين من الاستفادة من أحكام إعادة التقييم الاستثنائية التي أُقرّت بموجب قانون موازنة عام 2017، ولأنه يقتضي السماح لأصحاب العقارات بإجراء إعادة تقييم استثنائية لعقاراتهم بعد أن أصبح ربح التفرغ عنها خاضعاً للضريبة منذ عام 2017، أي إن النص المقترح يعيد تكرار مادة سبق أن تضمنتها موازنة عام 2017 (المادة 13)، حيث نجحت الحكومة حينها في تمرير تعديلها للمادة 45 من قانون ضريبة الدخل، بعدما فشلت في محاولتين قبل ذلك (2010 و2012).
لكن في تعديل العام 2017، انخفضت الضريبة من 10 إلى 5 في المئة، فيما تبادر الحكومة هذه المرة إلى زيادة نسبة التخفيض، لتصل في المشروع الحالي إلى 2 في المئة، أي إن هدية الـ2017 لم تكن كافية، فقُرنت بهدية أكبر إلى أصحاب الشركات والمصارف الذين ستزيد ثرواتهم بشكل كبير، انطلاقاً من أن العقارات والأصول المختلفة لا تزال بمعظمها مخمّنة على أسعار العقارات التي تسبق ارتفاعها الكبير، وبالتالي فإن زيادة قيمتها في ميزانيات هذه الشركات من دون تسديد كامل الضريبة سترفع قيمة هذه الشركات من دون أي جهد.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 45 من قانون ضريبة الدخل تجيز للمكلّفين بهذه الضريبة على أساس الربح الحقيقي إجراء إعادة تقييم دورية كل خمس سنوات، فتترتب عليهم ضريبة تحسين بنسبة 10%. وهذا يعني أن إعادة تقييم الأصول هي حق مكرّس في القانون، الذي ينص على أن يدفع من يلجأ إلى هذا الخيار الضريبة الواجبة. فلماذا إذن هذه الهدية التي تقدمها الحكومة؟ ولماذا اللجوء إلى التدابير الاستثنائية طالما أن التدابير العادية متوافرة لمن يرغب، لا بل لماذا اللجوء إلى هذه التدابير على حساب إيرادات الخزينة؟