ويشير التقرير إلى أن رسالة أردوغان كانت واضحة، فقال مخاطبا أعضاء المجتمع التركي في لندن الشهر الماضي، إن بلاده تستطيع اليوم شن عمليات لحماية أمنها القومي من دون أن تطلب إذنا من أحد.
وتعلق بيتل قائلة إن هذا التصريح هو تعبير واضح، لكنه حازم، وعادة ما يعبر عن السياسة الخارجية التي مارسها أردوغان من طرف واحد في السنوات الأخيرة، ففي تشرين الأول تحدت تركيا حلفاءها الغربيين، وأرسلت قواتها إلى شمال سوريا وضد رغبة الناتو، وبعد شهرين أعلنت تركيا عن عزمها إرسال قوات إلى ليبيا، في وقت دعت فيه الأمم المتحدة لاحترام حظر تصدير السلاح إلى البلد المفروض منذ عام 2011.
وتجد الصحيفة أن رغبة تركيا في الحصول على تأثير أوسع في جوارها ليست جديدة، مستدركة بأن جرأتها في تحقيق أهدافها أغضبت القادة الأوربيين والعرب على حد سواء، وقال دبلوماسي أوروبي: "تبدو تركيا هجومية أكثر وأكثر.. تتراكم القضايا فوق بعضها".
ويلفت التقرير إلى أن النشاط التركي في الشرق الأوسط بدأ بعد بداية الربيع العربي عام 2011، فراهنت تركيا على صعود النظام الإسلامي الجديد.
وتقول الكاتبة إن "تركيا كانت تأمل بتدخلها هذا في إعادة تأثيرها على مناطق الدولة العثمانية السابقة، إلا أن رهانها فشل، فقد سارعت روسيا لإنقاذ النظام السوري، وأطيح بنظام مرسي في حركة قادها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي".
وتنقل الصحيفة عن محللين، قولهم إن نهجا يفضل التدخل العسكري برز بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد أردوغان عام 2016، ما سمح للزعيم التركي بتقوية سلطته، مشيرة إلى أنه منذ ذلك الوقت شنت أنقرة ثلاث حملات عسكرية منفصلة في شمال سوريا، بما فيها العملية التي أثارت الجدل في نهاية العام الماضي ضد الأكراد.
وينوه التقرير إلى أن تركيا وقفت في الأزمة القطرية مع الدوحة في نزاعها مع جاراتها، وأرسلت بوارج حربية لمنع الشركات الأوروبية من التنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق المتوسط، وتحدت الناتو بشراء منظومة صواريخ دفاعية روسية الصنع.
وتفيد بيتل بأن أردوغان، الذي بدأ الأحد جولة أفريقية تشمل السنغال والجزائر وغامبيا، حاول توسيع البصمات التركية في أفريقيا، مشيرة إلى أن التحرك المفاجئ للرئيس كان هو الدخول في النزاع الليبي الشهر الماضي، من خلال إرسال مستشارين عسكريين لدعم الحكومة في طرابلس، واضعا مرة أخرى أنقرة على الجانب المضاد للقوة التي تدعمها السعودية والإمارات.
وتقول الصحيفة إن هذا التدخل أسهم في وضع تركيا على مقعد رئيسي في المحادثات التي استضافتها برلين لحل الأزمة الليبية، إلا أنه أدى إلى انتقادات أوروبية وأميركية وعداء سعودي وإماراتي.
وينقل التقرير عن المعلق الإماراتي عبد الله عبد الخالق، قوله: "لقد أصبحت وجهة نظر السعودية والإمارات بأن تركيا أصبحت عدوا من نوع ما وقوة مزعزعة للاستقرار".
وتورد الكاتبة نقلا عن الدبلوماسي السابق ومدير مركز أبحاث "إدام" في إسطنبول سنان أولغين، قوله إنه "أمر لا مفر منه" أن يرغب أي قائد لتركيا في السنوات الأخيرة في إعادة تقييم مكانة الدولة في عالم متغير، وأضاف أن الدول الغربية تتحمل المسؤولية في طبيعة التحول الحاد و"انهيار" علاقة أنقرة مع الولايات المتحدة، "وعدم فاعلية" أوروبا المطلقة كونها شريكا أمنيا بديلا لتركيا، و"نتيجة لهذا شعرت تركيا أن عليها العمل بنشاط أكثر لمعالجة مظاهر قلقها الأمنية".
ويرى أولغين أن تركيا تتحمل مسؤولية الخلاف الذي حدث بسبب تراجع الحريات في البلاد، وهو الأمر الذي أثار قلق المسؤولين الأوروبيين والأميركيين، مشيرا إلى أن هذه "الخلفية المحلية" جعلت من الصعوبة على تركيا التحرك بسهولة وسط تغير علاقاتها الدولية.
وتفيد الصحيفة بأن سياسة أردوغان الخارجية أصبحت متداخلة مع سياساته الداخلية، حيث حاول الرئيس إثارة حنق القادة الغربيين للحصول على دعم الرأي العام، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي حاولت فيه تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن المسؤولين الأتراك ينظرون إلى أوروبا بنوع من الازدراء، ويشكون في إمكانية موافقة بروكسل يوما ما على ضم تركيا إلى النادي الأوروبي.
ويورد التقرير نقلا عن مسؤول تركي، قوله غاضبا من بيانات المسؤولين الأوروبيين حول جهود تركيا التنقيب في مياه البحر المتوسط قرب قبرص: "لماذا من حقهم اتخاذ القرار؟".
وترى بيتل أنه إن "كان هذا الموقف يترك أثره على داخل تركيا، إلا أن جهود أردوغان تظل مقيدة بحاجته لأوروبا بصفتها شريكا تجاريا ومصدرا للاستثمارات الخارجية، وكان هذا واضحا عندما دخلت البلاد في أزمة اقتصادية بعد فرض الرئيس ترامب عقوبات على تركيا إثر خلاف دبلوماسي".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول المحللة في معهد "إلكانو" الملكي في مدريد، إليك توغيور: "تقوم تركيا بتنويع شركائها في مجال الأمن والدفاع، لكن ليس في الاقتصاد.. لو دمرت علاقاتها (مع الغرب) بسبب مصالحها الأمنية أو تحركاتها الفردية فإن هناك مخاطر لتعريض اقتصادها للخطر".