لا حكومة ولا حكماء

لا حكومة ولا حكماء
لا حكومة ولا حكماء

حرب البيانات المستعرة على مستوى المكاتب بين الرئيس من جهة والوزير جبران باسيل من جهة ثانية، والتي دخل على خطّها محمد الصفدي "دولة الرئيس" المعتذر قبل أن يُكلف، لا توحي بأنّ أهل الحلّ والربط على دراية بحجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم، في هذه اللحظة المفصلية الحرجة من تاريخ لبنان، الذي يشهد أسوأ أزماته المالية والإقتصادية والإجتماعية.

 

 أولى خلاصات هذه الجبهات المفتوحة على القصف المتبادل، أن لا دعوة لإستشارات التكليف ولا حكومة في المدى المنظور، وفي الوقت الضائع يستنسخ ركنا التسوية الرئاسية أسلوبهم القديم في مواجهة واقع مستجدّ، ويتعاملون مع عملية التكليف والتأليف وكأنّنا في بلدٍ قيد التأسيس، لا دستور فيه ولا قوانين ولا مؤسسات، يناورون ويتذاكون ويلعبون على حافة الهاوية، يغامرون ويقامرون بمصير أرض ووطن وشعب، فيما اللبنانيون في الشارع سئموا مسرحياتهم البالية، وأضحوا في مكان آخر لا عودة فيه إلى الوراء.

 

في سياق حرب الردود اتهم المكتب الإعلامي للحريري باسيل  بأنه "طرح وقائع كاذبة ووجه اتهامات باطلة"، فأتى الرد من مكتب الوزير باسيل متهما الحريري بـ"جملة افتراءات ومغالطات مع تحريف للحقائق"، وبين البيانين اتهم الصفدي الحريري بأنّه قطع له وعودًا لم يلتزم بها. ولكن اللافت في مسار معركة البيانات جملة واحدة قال فيها باسيل إن الحريري يعمل وفق قاعدة "أنا أو لا أحد".

 

والمضحك المبكي أنّ هذه القاعدة أكثر ما طبّقت في الحياة السياسية اللبنانية على باسيل نفسه في أكثر من مناسبة، تعطّل فيها مرارًا تأليف الحكومات في الأمس القريب والبعيد كرمى لعيون الصهر المدلل، وأنتج المجلس النيابي أسوأ القوانين الإنتخابية المذهبية لأجل إنجاح رجل العهد الأول بعد محاولتين فاشلتين، فضلًا عن فوزه في انتخابات تياره "الديمقراطية" أيضًا وفق معادلة " الأنا" نفسها، كما خسر رئيس البلاد من رصيده أكثر من مرة لأجل دعم طموح باسيل الرئاسي، آخرها عندما حشد له جمهوره في القصر الرئاسي بما "أساء إلى موقع الرئاسة" وفق ما رأت ابنة الرئيس السيدة كلودين عون في حديث صحافي .

 

 اليوم الوضع يختلف عن مرحلة تأليف الحكومات السابقة، ولا أحد يملك ترف الإنتظار على أرصفة الأزمات المتلاحقة وارتداداتها السلبية على كلّ القطاعات بما فيها الصحية، ورغم ذلك تستمر المناورات والأفخاخ وتوزيع الوزارات قبل التكليف، من دون إن تسقط هذه القوى من حساباتها احتفاظها بالثلث المعطل في زمن الإنتفاضة الرافضة لكل القوى والأحزاب السياسية.

 

 وهذا الأمر إن دلّ على شيء، فإنّما يدل على فشل لبنان في إنتاج تسوية جديدة من دون راعٍ إقليمي أو دولي،  بدليل أنّ الفريق الذي يمتلك الأكثرية النيابية التي استحقت تهنئة القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني غداة الانتخابات، يقف اليوم عاجزًا عن تأليف حكومة بمفرده خوفًا من عزلة دولية، ويستمر في الوقت نفسه بنهج المكابرة والقفز فوق الدستور وتجاهل تاريخ 17 تشرين، والنتيجة الحتمية إطالة أمد تصريف الأعمال وتسريع خطى الإنهيار وتعليق الدستور حتى إشعار آخر.

 

 

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى ترامب يطالب بايدن بإجراء اختبار معرفي بسبب قرارته “المريعة”