منذ خروجه من مبنى الصنائع، يواظب المشنوق على اعتماد سياسة الاقتضاب في الكلام. يراكم ويسجّل الملاحظات والنقاط، ويترقّب. وبعد 17 تشرين الأول، كما قبله، لم يخالف نمطه في الإدلاء بما قلّ ودلّ، بانتظار انقشاع الصورة، والرؤية.
أما في اليوم التاسع عشر للانتفاضة، وفي خضم المعركة المكتومة الصوت، المحتدمة بين بعبدا وبيت الوسط على خلفية الصراع حول من يسبق "دجاجة التكليف أم بيضة التأليف" على نحو أطاح بـ"اللياقة السياسية"، دخل المشنوق على الخط السياسي من باب نقاط ثلاث:
- الأولى، إنحيازه الكامل "للثورة لأنها الأكثر نزاهة والأشرف والأكثر تعبيراً عن حاجات الناس وأوجاعها، منذ قيام دولة لبنان"، مع اعترافه بأنّ الشعار الأول للثورة "كلن يعني كلن" لا يستثنيه.
- الثانية، تأكيده أنّ تأجيل الاستشارات النيابية هو "تجاوز للدستور ومحاولة الاستيلاء على صلاحيات الرئاسة الثالثة، بالتشاور مع الكتل السياسية بعد التكليف". وهو موقف يسجّل للرجل في خانة "صيانة" موقع الرئاسة الثالثة رغم المسافة الشاسعة التي صارت تبعد بينه وبين بيت الوسط.
- الثالثة، إشارته إلى "الرغبة المستمرّة في إعلان القوّة"، لافتاً إلى أنّ هذا "العنصر المفتعل لم يعد متوافراً لأحد رغم كلّ الاستعراضات". والكلام عن الاستعراضات لا يعفي أحداً، لا من "التيار الوطني الحر" ولا غيره من التيارات.
الغريب، أنّ الرجل حاذر في الأيام الأخيرة الاقدام على أي خطوة قد تفسّر على أنّها محاولة "خطب ودّ" الرئاسة الثالثة، على خلاف مثلاً الزيارتين العلنيتين اللتين قام بها كل من النائب فؤاد المخزومي والنائب السابق محمد الصفدي إلى بعبدا، والتي لم تواجه بأي سهام اعتراضية من جانب "المستقبل" وقيادييه...
في المقابل، يتلقى المشنوق سهام "ذوي القربى السياسية" على نحو مثير للاستغراب، كما يقول المطلعون على موقفه. ليست المرة الأولى التي يواجه فيها الرجل حملة شعواء، ثبُت وفق عارفيه، أنّها ممنهجة ومنظّمة، لكنّها قد تكون المرة الأولى التي لا يبرئ فيها رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري محيطه من "فعلتها".
لم يتمكن المشنوق من فكّ لغز تلك الحساسية الزائدة، خصوصاً وأنّه لا يتردد في القول أمام من يلتقيهم إنّ الزمن زمن ثورة، لا مكان فيها للوجوه المسيّسة، وبالتالي لن تحمله اندفاعته على التفكير أبداً في ركوب موجة الحراك، سواء للعودة إلى مقاعد الحكومة، أو لطرح نفسه بديلاً عن الحريري، وهو الذي سبق له أن أعلنها مراراً بالفم الملآن: رئاسة الحكومة تمرّ ببيت الوسط.
وفق المطلعين على موقف النائب البيروتي، ثمة دافع واحد قد يقود تلك الحملة وهو حاجة محيط الحريري إلى "إثبات" تخلّي المشنوق عن "الحريرية الوطنية"، متعمّدين تجاهل ما يثبت عكس ذلك، وهو كثير، وذلك، في لحظة اختبار صعبة تفرض على الحريري السير في حقل ألغام شركائه السياسيين من جهة، والحراك الشعبي من جهة أخرى. ولذا كان التصويب على وزير الداخلية السابق.
لقراءة المقال كاملاً اضغط هنا