بقدرة إلهية يَبلغ العام الدراسي منتصَفه، فيما «المعارك ع حَيلا» ما بين المكوّنات التربوية: أهالي، أساتذة وإدارات. في الظاهر تبادُل بيانات ومواقف وتصاريح… أمّا في الكواليس «لقلوب مليانة»، والتأفّف على أوجِه. ما يزيد الطينَ بلّة، من جهة «تمسُّك نقابة المعلمين بسِلسلة إضراباتها» بحسب نقيب المعلّمين رودولف عبود، ومن جهةٍ أخرى إعلانُ موقف أساتذة التعليم الرسمي «رفضَهم لاحتمال أن تموّل الدولة زملاءَهم في الخاص»، وفق ما أكّده رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي لـ»الجمهورية».
للمرّة الثالثة على التوالي يُضرب أمس أساتذة التعليم الخاص منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب، واضعين النقاطَ على الحروف لجهةِ رفضِهم أيَّ مساومةٍ على حقوقهم. في هذا الإطار اعتبَر رئيس اللجنة الأسقفية في المدارس الكاثوليكية المطران حنّا رحمة «أنّ الإضراب ابتزازٌ للأهالي والتلاميذ، وعنفٌ بحقّهم»، موضحاً في حديث لـ«الجمهورية»: «كان من الأجدى أن يُنفَّذ الإضراب داخل المدارس من خلال تقديمِ الأساتذة ورقةً إلى إدارتهم من دون إرباكِ الأهالي وتعطيلهم عن أشغالهم، «اللي فيهم بكفّيهم».
وأضاف: «الإضراب تخطّى حدود المعقول، وبات نوعاً من الابتزاز، كذلك لا يحقّ للنقيب إلّا أن يطلب من النقابيين الإضراب، وعندما يطلب من جميع أساتذة الخاص الإضراب فهذا يعني تجاوزاً للقوانين، ولو هناك دولة لكبّدتهم عطلَ وضَرر ما يَلحق بالأهالي».
لسنا ضدّ الحقوق ولكنْ..
وأسفَ رحمة لِما يَشهده العام الدراسي قائلاً: «شرَّعت الدولة قانوناً غيرَ متماسك، ويحاول الأساتذة الاستفاذةَ مِن الثغرات، وتحديداً لجهةِ وحدة التشريع وإلزام الخاص بما أقرّته الدولة للرسمي. لا شكّ في أنّ إدارات المدارس ضدّ الإضراب ولكن في المدارس الكبيرة يَصعب ضبطُ التلاميذ من دون معلّمين فيُجبَرون مكرَهين على الإقفال».
ولم يخفِ رحمة خشيتَه من «أن يتحوّلَ إضراب الاساتذة المفتوح إلى إضرابٍ دائم في حال أضرَب الأهالي عن الدفع وعن إرسال أولادهم إلى المدارس، عندها سيَقبعون في منازلهم»، مؤكّداً أنّ الإدارات ليست ضدّ حقوقهم، «نحن لا نَحرم الأساتذةَ إنّما نطلب من الدولة أن تشاركَ الأهالي معاناتهم، لذا عليها أن تتحرّك».
وحيال إصرار الأساتذة على المضيّ قدُماً في إضراباتهم، قال رحمة: «يترتّب على الإضراب مسؤوليات كبيرة، فالمعلّمون يأسرون العائلة والأولاد باعتكافهم عن التعليم، إلى متى سيتحمّل الأهالي الواقعَ الشاز؟ «ميّة مرّة أضرَبوا الأساتذة»، هذه الوسيلة مكشوفة وليست تربوية، تسيء إلى المستوى التربوي، لا بدّ مِن وقفةٍ جدّية من الدولة».
في التفاصيل…
قرابة العاشرة والربع بدأ المعلمون بالتجمّع تحت مظلّاتهم عند مطلع الشارع المؤدّي إلى مكتب نقابة المعلمين -فرن الشبّاك- خلف الإسكان، معظمُهم من محافظتَي بيروت وجبل لبنان. «انشالله حقنا ما بضِيع»، «ياريت يَعرفو شو منتبهدَل»، وغيرها من العبارات والأمنيات تردَّدت على ألسنة المتظاهرين خلال توجُّهِم سيراً على الأقدام نحو النقابة.
«3 أشخاص بالأسونسور، الباقي ع الدرج»، شكّلت القاعدة الأساس للوصول إلى الطابق الرابع حيث مكتب النقابة، بين أخذِ السلفي وتبادلِ همومهم، أمضى المعلّمون الوقتَ ريثما انطلقَ المؤتمر عند الواحدة وعشر دقائق.
بدايةً تحدَّث نقيب المعلّمين في المدارس الخاصة رودولف عبّود، متوقّفاً «عند الرفض العلني لاتّحاد المؤسسات التربوية الخاصة إعطاءَ المعلّمين ستَّ درجات، رافضاً أن يكون للقانون الذي صَدر عن مجلس النواب قراءاتٌ متعددة».
وأضاف: «وزير التربية والتعليم العالي متعاون، يقوم بواجبه بين مكوّنات الأسرة التربوية، أصبح هناك تحوُّل إلى مكان لا يفيد مصالحَنا، ليس المطلوب تعديل القانون 46، ولا إصدار قانون ثانٍ تحت إسم آليّة تطبيق القانون، فالقانون 46 واضح ولا لبسَ فيه وينطبق على القطاع الرسمي».
وأضاف: «سبقَ وطالبنا بالاطلاع على موازنات المدارس كمادة استقصائية… بعض المدارس ليست بحاجة نهائياً لزيادة الأقساط وهناك مدارس أخرى بحاجة لزيادات مدروسة، عِلمية، موضوعية، والبعض يستغلّ مطالبَ الأساتذة لزيادة الأقساط».
وتوجَّه إلى اتّحادات الأهل بالقول: «نحن وإياكم على دربٍ واحد، ونحن لسنا بمواجهة معكم، ومطلبُنا تنفيذ القانون 46، الذي أبدينا في ما خصَّه كاملَ التعاون والليونة، ونحن مستعدّون لتقديم رسالتنا التربوية في كلّ الأوقات، ولكنْ وصَلنا إلى مرحلةٍ أصبح فيها الحسمُ واجباً».
وأوضَح أنّ «الجلسة الحكومية المخصَّصة للشؤون التربوية لن تؤتيَ ثمارَها في حال لم يكن هناك لقاءٌ مباشر مع رئيس الحكومة». ودعا الأساتذةَ ليكونوا «بالآلاف والاعتصام في 30 من الشهر الحالي عند الساعة الثالثة أمام وزارة التربية، والإضراب في 5 و6 و7 شباط»، مردِّداً: «هلّق وقت التعبير عن التضرر»… والمعيار الذي نعتمده هو مدى تلبيةِ الإدارة لحقوق معلّميها، ولاحقاً سنعلن عن خطواتنا في ما خصَّ القانون 46 وبعض المدارس المخالفة للقوانين».
الأسمر
بعدها تحدَّث رئيس الاتّحاد العمّالي العام بشارة الأسمر قائلاً: «نحن مع حقّ الأساتذة المطلق ومع تطبيق القانون رقم 46، لذا يجب الوصول إلى معالجات تتطلّب تضحيات من الجميع»، داعياً الوزيرَ حمادة إلى «إجراء حوار مع مختلف الأطراف كي لا يدفعَ الثمنَ الطلابُ والأهل والطبقة العمّالية الفقيرة أيضاً».
ضربٌ للتعليم الرسمي
وفي كلمةٍ له، أعرَب رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي نزيه جباوي دعمَهم لحقوق زملائهم في الخاص، لكن من دون أن تُسدّد الدولة الزيادات. وفي حديث لـ«الجمهورية»، أوضَح جباوي موقفَه قائلاً: «المدارس الخاصة ليست ذات منفعة عامة، فعددٌ كبير منها منفعةٌ خاصة، لذا فهُم يَرفضون تسديد الحقوق كي لا تتأثّر أرباحُهم، كما أنّ بعض الموازنات لا تُسلَّم في الوقت المحدّد لها، هذا التلكّؤ يخفي وراءَه ما يخفي».
وأضاف: «الدولة تُساهم في القطاع الخاص من خلال المِنح التي تُمنَح للتلامذة، فهي تقوم بدورها تجاه المدارس الخاصة»، ولكن أن تدفعَ الزيادات، فهذا كلامٌ خارج عن الصواب، لا نرضى به وهو يَضرب التعليمَ الرسمي».
ماذا لو لم يكن من حلّ إلّا أن تتكفّلَ الدولة بالزيادات لهذه السنة فقط، يجيب جباوي: «منذ 4 سنوات وهم يَرفعون الأقساط من دون إعطاء أيّ مقابل للأساتذة، حتى غلاء المعيشة، معظم المدارس سبقَ وأخَذت زيادات والآن تتهرّب من مسؤولياتها». وأضاف: «لن نتردّد في التحرّك في ما لو ستُسدّد الدولة الزيادات للخاص»، وسألَ مستغرباً: «هلّق صار في مصاري بالدولة للتعليم الخاص… دايماً كاسرين إيدُن وشاحدين عليها؟».
الأهالي غاضبون
بامتعاضٍ شديد تلقّى الأهالي خبَر مضيِّ الأساتذة قدُماً في إضرابهم، في هذا الإطار، قالت رئيسة اتّحاد لجان الأهل في فتوح كسروان جبَيل ميرنا الخوري لـ«الجمهورية»: «كنّا قد أعلنّا التريّثَ في التحرّك بانتظار ما سيَصدر عن الجلسة الحكومية التربوية، نتفهّم مطالبَ الأساتذة ولكن ليس على حساب مستقبل أولادنا وإبقائهم في المنزل «. وناشدَت المعلّمين بالتراجع عن الإضراب قائلةً: «إبتعِدوا عن الإضراب، هناك بدائلُ أخرى ممكنة لنقلِ اعتراضكم».
معلمو الشمال
تزامناً مع إضراب نقابة المعلمين، نفذ الاساتذة في طرابلس اعتصاماً في مقر النقابة «تنديداً بالظلم اللاحق بهم». وعبّر الاساتذة عن استيائهم من المعاملة التي يلقونها من قبل إدارات المدارس ولجان الأهل وطالبوا بانقاذ العام قبل فوات الأوان. وألقى رئيس مجلس نقابة المعلمين فرع الشمال طوني محفوض كلمة بإسم المعتصمين شدد فيها على نيل حقوقهم كاملة ورفضهم لأي تعديل في القانون 46.
المصدر: الجمهورية