أكّد رئيس حزب القوّات اللبنانيّة سمير جعجع أنه “من الصعب جداً التقدير في الوقت الراهن إمكانيّة توّسع رقعة الحرب في غزّة لتشمل الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة، باعتبار أن ما يجري هناك أكبر بكثير من عمليّة عسكريّة وإنما هي حرب بكل ما للكلمة من معنى. ولكن يمكن القول إنه إذا بقيت هذه الحرب ضمن الحدود “المعروفة” في الوقت الراهن، عندها لا أعتقد أنها ستتسع أكثر مما نشهده على الحدود الجنوبيّة اللبنانيّة، أي عمليّة من هنا، قذيفة من هناك، قصف جزئي من جهة يقابله رد بقصف جزئي من جهة أخرى. أما بامتداد رقعة الحرب لتطال جنوب لبنان يصبح أساسياً حين ستتفاقم الحرب في غزّة ولا سيّما أن جميع المؤشرات تدل على أنها مرشّحة لتطوّر كبير ومستمرّ”.
جعجع، وفي اطلالة خاصة عبر الـ”mtv”، تساءل عما إذا “تطوّرت هذه الحرب وتخطّت حدوداً معيّنة فهل ستبقى الحدود الجنوبيّة هادئة، وهل ستقف إيران، واستطراداً الحزب على الحياد!؟ مضيفا ” لا أجوبة عندي في هذا السياق لأن الأحداث هذه المرّة أكبر بكثير من إمكانية أحد من التبصّر أو التنبؤ بمسارها، فعندما تكبر الأحداث بهذا القدر تصبح جميع الإحتمالات واردة”.
وفي إطار الرد على سؤال عن الحدود التي ممكن أن تدفع “الحزب” للتدخّل في الحرب من خلال الدخول البري إلى غزّة، قال: “ليس مجرّد الدخول البري وإنما أعتقد أن الحد الفاصل سيكون القضاء أو عدمه على “حماس”، فإذا تبيّن في وقت من الأوقات استمرار الحرب على المنوال التي هي عليه، سيتمكن الجيش الإسرائيلي من القضاء على “حماس” فهل ستبقى إيران وحزب الله واقفيَن على الحياد؟ “ما نضحك على بعضنا” كل الحسابات التي تُجرى الآن ليست لبنانيّة وإنما حسابات كبيرة واستراتيجيّة على مستوى الشرق الأوسط، مركزها إيران”.
وتابع “الحسابات الإستراتيجيّة الكبيرة التي تجريها هذه المرّة إيران ليست سهلة أبداً، كما أنها لا تقدر إتخاذ قرار سهل، على خلفية أن اسرائيل هي من تقاتل في غزّة ولكن إذا تخطّت الحرب هذه الأخيرة، عندها لا يتوقع أحد إدراك من سيدخل إلى ساحة القتال، فالجميع يلاحظ التغيّر الكبير في اللهجة الأميركيّة تجاه إسرائيل ونتنياهو وحكومته إثر العمليّة التي قامت بها “حماس”، والحال مشابه بالنسبة لللهجة الأوروبيّة. وعلى سبيل المثال، في الأمس صدر بيان مشترك عن الولايات المتحدة الأميركيّة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وإيطاليا، يمكن أن يعدّ تقريباً بمثابة “Carte Blanche” للحكومة الإسرائيليّة في التصرّف، انطلاقا من هنا، علينا اتخاذ كل هذه المتغيّرات بعين الإعتبار، وبالتالي باتت الحسابات معقّدة إلى هذا الحجم”.
ورداً على سؤال حول الاعتبارات التي تحكم الحسابات الإيرانيّة، وعما إذا مسار التطبيع السعودي – الإسرائيلي له علاقة بما يحصل، أوضح جعجع أن “عمليّة “طوفان الأقصى” التي قامت بها “حماس” لها خلفيتان لا يمكننا فصلهما، الأولى هي فلسطينيّة محليّة، فهناك ثابتة يجب أن نضعها نصب أعيننا في الشرق الأوسط وهي وجوب إيجاد حل للقضيّة الفلسطينيّة، وهذا الحل وحيد ومعروف، وهو الحل العربي “حل الدولتين” المنبثق عن القمّة العربيّة في بيروت في العام 2002 .وعلى هذا الصعيد أود أن أؤكد أنه طالما لم يتم قبول هذا الحل ستستمر المفاجأت في أي لحظة وكيف بالحري مع التصرفات والممارسات التي تقوم بها الحكومة الإسرائيليّة منذ نحو عام.ولفت جعجع إلى أن هذه التصرفات ليست مقبولة إطلاقاً، إن كانت في الضفة الغربيّة أو في أي مكان آخر، فعلى سبيل المثال قضيّة المسجد الأقصى، حيث أنه معلوم ضرورة احترام الرموز الدينيّة في عز الحروب الشعواء، ولكن هناك إشكاليّة تتمثّل في مكان مرور المتدينين اليهود وهناك “ستاتيكو” في الأقصى متفق عليه منذ زمن، فيما الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة تريد فرض شيء ما، وهذه الممارسات حضّرت أرضيّة فلسطينيّة شكّلت جزءاً من الخلفيّة التي تحكّمت بعمليّة “حماس”.
وأردف رئيس القوات “أما الجزء الثاني، فهو إقليمي إيراني بامتياز، باعتبار أنه تسود طريقتان للتفكير في المنطقة (أي خيارين)، الأولى تتلاقى مع خمسينيات وستينيات القرن الماضي أي أنها تعتبر أن حل القضيّة الفلسطينيّة يسعى إلى القضاء على إسرائيل، وهذه هي طريقة التفكير التي تنتهجها إيران، بينما الثانيّة، فقد بدأ مع عمليّة السلام المصريّة الإسرائيليّة، ويعتبر أن القضيّة الفلسطينيّة هي جوهر المشاكل في الشرق الأوسط ويجب حلّها، إلا أنه لا يمكننا القيام بذلك عبر الحروبات المتتاليّة ومقولة “إزالة إسرائيل”، والسبب أن دول العالم أجمع لا تقبل بهذا الحل، في حين أنها توافق على حل الدولتين، ألهم حل الدولتين، لذا تعالوا لنعمل سويّة في هذا الأفق”.
وشدّد جعجع على أننا “نشهد اليوم في الشرق الأوسط سباقاً ما بين الخيارين الأول والثاني، ومؤخراً مع “ميل” المملكة العربيّة السعوديّة للإنخراط في الخيار الثاني أي من خلال إيجاد سبل لتطبيع الأوضاع ولكن ضمن إطار الحل للقضيّة الفلسطينيّة، وحين لمس الإيرانيون إمكانية حصول هذا الأمر ، خصوصاً أن السعوديّة تشكل وزناً مهماً في الشرق الأوسط وكماً من الاستراتيجيّة الضخمة، من هنا، هذا الخيار “سيميّل الدفّة” من مكان إلى آخر، وعلى ما يبدو أن الإيرانيين اتخذوا قراراً لخربطة الأمور أو دفشها في الإتجاه الآخر ليتذكّر الجميع أن الحل للقضيّة الفلسطينيّة لا يمكن أن يمرّ من دون إزالة إسرائيل”.
أما عن تقييمه لتعاطي “الحزب” لبنانيّاً مع ما نشهده اليوم، أجاب جعجع: “بكل صراحة ليس هناك ما يسمى “بتعاطي “حزب الله” فالقضية أكبر من ذلك بكثير، والقرار في الصغيرة والكبيرة حالياً في إيران، باعتبار ان القضيّة ليست لبنانيّة ولا علاقة للشعب اللبناني فيها، وهنا، أود التأكيد أنني لا أقصد أن الشعب اللبناني لا علاقة له معنويّة وفكريّة وسياسيّة في ما يجري وإنما له كل العلاقة المعنويّة والفكريّة والسياسيّة، إنما لا علاقة له عملياً، وعلينا في هذا الإطار أن نكون عمليين وواقعيين، فلكي يكون لنا علاقة، علينا أن نشكل وزناً وثقلاً في كل ما هو حاصل، فما هو حجم ووزن المجتمع اللبناني اليوم في ظل هذه الاحداث ؟ لست في صدد التقليل من شأننا أبداً ولكن هذا الصراع بالفعل هو “صراع الفيلة” وفي صراع مماثل لا يقوم “الولد الصغير” بالوقوف بين أرجل الفيلة. وبالعودة إلى السؤال عن كيفيّة تصرّف “حزب الله”، أشير إلى “الحزب ليس هو من يتصرّف وإنما يشكل واحدة من كتائب أو فصائل المقاومة المرتبطة بشكل مباشر بإيران وهي من تتخذ القرارات بكل ما له شأن بهذه الفصائل”.
أما بالنسبة لكيفيّة تصرّفهم كفريق سياسي في حال اشتعلت جبهة الجنوب، قال جعجع: “سنعمل بكل ما أوتينا من قوّة اليوم كي لا تشتعل هذه الجبهة، لأننا بغنى عن زيادة إضافيّة إلى كل مآسي الشعب اللبناني، هل يمكن لأحد أن يتخيّل المأساة التي ستقع؟ فعلى سبيل المثال إذا كُسر زجاجٌ واحدٌ في بيت في الجنوب، من سيقوم بإصلاح الضرر؟ في الوقت السابق كانت تهب الدول جمعاء لمساعدتنا أما اليوم فليس هناك من دولة تريد القيام بذلك، وبالتالي هذا الموضوع يجب أن يكون خارج أي تصوّر. وفي هذا الإطار أود أن أسجّل غياباً كبيراً للحكومة اللبنانيّة، فما يحصل غير مقبول أبداً ليعتبروا أنفسهم بلديّة، فهل معقول هذا الغياب؟ علينا أن نصب جهدنا جميعاً كي نجنّب لبنان الدخول في هذا الأتون لسبب بسيط وهو أنه لا يشكل أي فارق في موازين القوى الموجودة”
وعما إذا كان ما يحصل سينعكس تمسكاً من قبل “حزب الله” بمرشّحه لرئاسة الجمهوريّة سليمان فرنجيّة، أجاب رئيس القوات “من يفكّر في هذه الأثناء بكل هذه المسألة؟ نحن نمر في أيام تشهد أحداثاً مأساوية كبيرةً، لذا جل ما نريده انتهاء هذه الحرب على خير وعندها لكل حادث حديث”.