كتبت تغاريد بيضون في “اللواء”:
قد لا يكون هذا العنوان دقيقاً. بل قد يكون العنوان الأدق هو تجربة الحريري مع الساسة اللبنانيين. أو تجربة الحريري مع نفسه. أو حتى تجربة اللبنانيين مع الحريري. تعرَّف اللبنانيون إلى سعد الحريري. أحبوه قبلوه ودعموه لميزة وحيدة واحدة هي التي عرفوها به دون غيرها وهي أنه إبن الشهيد رفيق الحريري، ولّدت لديهم هذه الخاصية أمالاً كباراً ناهزت بحجمها حجم احساسهم بالخسارة الضخمة التي شكلها فقدان والده.لعبت هنا الميتافزيقا دورا هاما لانها جسدت رغبة الإنسان برفض الموت. والتمسك بالحياة عبر اساليب مختلفة.
لهذه الدرجة كانت قوة الاستشراف عالية عند اللبنانيين الذين أدركوا المعنى الحقيقي والهدف التدميري الذي سعى اليه منفذو الإغتيال. على صعيد الوطن بأكمله. وتحسسوا النتائج المريعة التي تمثل أقلها في فقدان الحلم الذي جسَّده رفيق الحريري والذي كان سببا في ما عرفه اللبنانيون من فترة ذهبية. حضارية ومزدهرة.
تمسك اللبنانيون بسعد الحريري كتمسكهم بالحلم الوطني الجميل. غير أنه لا يمكننا الا أن نسأل إذا ما كان لعملية الحكم او الزعامة طرفان هما الحلم والواقع .؟ هذا الواقع المندمج بالحلم او ما يمكن وصفه بأحلام اليقظة يجعلنا نسأل لماذا قبل سعد الحريري خوض هذه التجربة؟ وهل يدخل من ضمن الاسباب استسهاله المهمة ؟ وهو الذي لم يرافق الشهيد في أوقاته الصعبة ولم يختبر معه الدخول في دهاليز وخبايا واروقة الدولة العميقة المجهولة. ام أن من بين هذه الأسباب عدم إدراكه حقيقة للدور والمهام التي اضطلع بها والده الشهيد بعد دخوله الحياة السياسية مباشرة عشية انتهاء حرب أهلية طاحنة دامت سبع عشرة سنة .
نذكر ذلك لإلقاء ضوء بسيط على صعوبة المرحلة التي كابدها الشهيد ولم يخرج منها سالما ويا للأسف.
مجددا يبقى السؤال المحوري لماذا قبل سعد الحريري تحمل هذه المسؤولية اذا لم يكن يمتلك القدرة او الرغبة او الارادة على تحملها بشروط عقلية رجل الدولة وليس بشروط رجل أعمال أو رجل العلاقات العامة الناجح ؟؟ وهل كان سيقبل المهمة لو انه إطلع على تاريخ تأسيس الكيان بمراحله المتفجرة دوماً كما على تاريخانية الساسة الذين أطبقوا على مفاصل الدولة ومؤسساتها أيام السلم كما أطبقوا على أزقتها أيام الحرب. أضع هنا كلمة الساسة بين مزدوجين لأنه لم يكن في أي يوم لا ساسة ولا سياسيين ولا سياسة في هذه البقعة الجميلة من العالم. ولسنا بحاجة لتوصيف المتشبثين بالكراسي .
يكفي ان نلمس درجة الدهشة والقرف التي يستشعرها كل من لديه تجربة مهما كانت ضئيلة مع هذه الجوقة التي ساهم بعضٌ منها في اغتيال الحريري ومن خلفه الوطن. ومازال العمل جارياً على الإجهاز عليه.
فاذاً لماذا قبل سعد الحريري الدخول في هذه التجربة؟قديكون من المفيد جدا أن نطرح هذا السؤال. غير ان ما هو اكثر أهمية أن نعلم ما اذا كان الحريري نفسه قد طرح السؤال على نفسه ؟ ما يشجعنا على ذلك هو انه وفي هذه اللحظة بالذات وبعد التجربة المريرة التي حصد نتاجها سعد الحريري نفسه بالقدر المتساوي الذي كان للبنانيبن عامة والسنة خاصة . في هذه اللحظة نقول ان احدا لا يستطيع ان يكره سعد الحريري.
قد تغضب منه. وقد تلومه أيضا. وقد تحمِّله مسؤولية الفشل بجزء منه طبعا، والذي تمثل في التسويات الكارثية المريبة. لكن ما يجب قوله بكل أمانة وإخلاص ان الخسارة الكبرى ارخت بثقلها على جمهور رفيق الحريري نفسه وعلى محبيه.
وإذا كان سعد الحريري غافلا عن موبقات الساسة وعن المستوى الشاذ للسياسة في لبنان؟ فهل كان غافلا عن مستوى الكفاءة والخفة وعدم النضج والتجربة المتواضعة والتمرس بالفساد المقونن الذي اصبح معروفاً والذي يتصف به بعض من تحلقوا حوله وممن وضع ثقته بهم. يجمع بين غالبيتهم تغليب المصلحة الفردية الرخيصة والسريعة والجهل المطبق بأهمية الادوار التي عليهم القيام بها لخدمة الناس والوطن، وهذه المواصفات مع الأسف شملت نواباً ورؤساء بلديات حتى اننا لا نجانب الحقيقة اذا ما قلنا أن القليل منهم تميز بالكفاءة ونظافة الكف والبقية الباقية إما اميين او من اصحاب الصفقات المشبوهة، تلك هي الخيارات التي يسأل عنها سعد الحريري والتي أصابته في الصميم كمشروع وكزعيم. وكذلك كوريث لأهم شخصية وطنية لبنانية عرفها العصر الحديث. نسأل عما اذا كان يدرك او يعرف أن عدم اهتمامه واعضاء كتلته بشؤون أهله في المناطق التي كان له اليد الطولى في إختيار نوابها سيتسبب بخسارة عامة تتعدى شخصه الكريم. وتتعدى وظيفته الوجودية كوريث لرفيق الحريري لتطال أمن ومستقبل الطائفة السنية ومن خلفها الوطن كله ؟؟؟
أعود لأقول او لأطرح تساؤلا آخر هنا. مع تأكيدنا للمرة الثانية انه من الصعب جدا ان نكره سعد الحريري ولأسباب عدة، منها ما يتعلق بشخصيته التي تتميز بالطيبة. ومنها ما يتعلق بكونه ابن رفيق الحريري.