لو عاد أجدادنا

لو عاد أجدادنا
لو عاد أجدادنا

كتب المفكر والإعلامي والديبلوماسي الراحل واجد دوماني في العديد من الصحف والمجلات، وأغنى صفحاتها بما كتب عن الفكر والأدب والثقافة والإعلام والسياسة والصحة والإنسان وشؤون الحياة، بأسلوب يعتمد العمق والبساطة والسلاسة والأناقة في آن، وينبع من غنى الثقافة وغزارة الإطلاع وعمق التجارب.

بعض مقالاته يعود إلى الستينيات، ومع ذلك فإنّ القارىء يتفاعل معها وكأنها كتبت اليوم، ولقد اختار"لبنان 24" إعادة نشر هذا المقال، وعنوانه "لو عاد أجدادنا":

لو عاد أجدادنا إلى الحياة التي نعيش.. وإلى الرفاهية والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعم حياتنا.. لو عاد أجدادنا إلى الحياة من جديد.. وشاهدوا هذه المخترعات المدهشة لاستبدت بهم الدهشة.. وغمرتهم موجة من الذهول والوجوم.. عندما يكتشفون أننا رغم كل هذه الإنجازات التي بين أيدينا.. والإمكانات التكنولوجية التي نستخدمها ونوظفها في خدمتنا ولخدمتنا.. ولرفاهيتنا وراحتنا رغم كل ذلك.. ومع ذلك، فإننا لم نحقق القدر الأقل من الراحة.. بل إننا نحيا وسط جو من الاكتئاب، إذ يحيط بنا سلاسل الإحباط من كل صوب.. إن أجدادنا سيتساءلون عما حدث لنا، وسيتذكرون أنفسهم يوم كانوا يجوبون البحار المجهولة، المحفوفة بالمخاطر، في زوارق كالأصداف بحثاً عن القارات المجهولة؟ وسعياً وراء اكتشاف ما! فكانوا يحققون لأنفسهم تلك المتعة الروحية، والمذاق المعنوي، إذ كانوا يشعرون بمتعة خاصة وهم يختبرون شجاعتهم ومغامراتهم ضد القوى المضادة، والأشباح المجهولة..

لقد كانت شجاعة أجدادنا تستمد مصدرها من تقبل النجاح والفشل كأمر واقع.. واحتمال المحنة أو السعادة أمراً مقدراً.. كان إيمانهم بالقدر.. إيمانهم بأن قوة خارقة في هذا الوجود هي التي تحدد مسارهم، وتقرر مغامراتهم، وتساعدهم على تحقيق طموحاتهم..

أن تقبل المحنة، في نظر أجدادنا الأولين.. السلف الصالح.. كان نابعاً من الإيمان الذي أشرت، إذ كان هذا الإيمان وحده بلسماً لهم، ومصدراً لسعادتهم، وتكأة يتكئون عليه في كل خطوة يخطونها..

كانت الحياة تبدو لهم.. كساحة تجارب، وفرص للخبرات، وكان كل ما يهمهم، هو كيف يخوضون التجربة، أو يتصدون للمغامرة، ويظهرون بأسهم، في كل مواجهة، أو تحد..

أما نحن.. نحن أبناء هذا العصر الرديء.. فإننا على العكس من كل ذلك.. فقد نشأنا في هذا العصر ونحن نخضع لمفاهيم عجيبة، وتصورات وهمية بأن السعادة والأمن حق من حقوقنا.. فلا نسعى لهما، أو نبذل أي جهد لبلوغهما، نحاول أن نخفي فشلنا وسقوطنا، وتخاذلنا وانهزاميتنا بعصبية جامحة، ندير للعدو الحقيقي ظهر المجن، ونختفي وراء أصابعنا، ونحن مكشوفون عراة.. وعند أية صدمة، أو هزة نفقد أعصابنا، ويصيبنا الانهيار.. فأجدادنا لم يكونوا كذلك البتة كانوا يجدون في المغامرة لذة، وفي مجابهة المشاكل مذاق.. إذ كانوا يقبلون عليها، بكل ثقة في النفس، وعزيمة وإيمان.. أن تحمل المشاكل، والقدرة على معالجتها والتصدي لها.. كانت كلها من طبيعة "الإيمان" الذي كان يغمر قلوب هؤلاء الأجداد..

يقول أحد علماء النفس:

إنَّ الخطر الذي يفوق خطر القنبلة الذرية هو الشعور بأن الأشياء المادية كافية لتبديد قلق الإنسان وتعاسته من جانب، والخوف من الحياة من جانب آخر. وما يترتب على ذلك من قرار مسؤول.

ويروى بهذه المناسبة عن قول لشاب ألماني بعد الحرب العالمية الثانية.. "إننا نحن الألمان نشعر بمنتهى السعادة أننا أصبحنا أحراراً من الحرية".. وكان يعني أنه لم يعد يشعر بمسؤولية القرارات التي يمكن أن يتخذها. أو حتى أن يفكر بنفسه ولا شك أنه دفع ويدفع ثمناً، باهظاً لهذا الوهم..

وبكلمة أخرى.. أختتم بها مقولتي.. بأن حل مشكلة الإنسان.. قلقه واضطرابه وتعاسته لا يتحقق عن طريق التكنولوجيا الحديثة أو المذاهب السياسية الطافية على امتداد حياتنا ولا على متن طائرة خاصة تنقلنا.. ولا بسيارة "رولز رويز".. أو كاديلاك.. ولا بخواتم أو جواهر، ولا بسياحة نطوف بها عبر العالم.

إن الطريق إلى السعادة تختصر بكلمة واحدة بل وحيدة ولعلها يتيمة الدهر كما يقال.. هذه الكلمة هي "الإيمان" هذا الإيمان الذي نستخرج منه.. ونحقق به، كثيراً من الطمأنينة والسلام الداخلي الذي ننشد.. والله أعلم..

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى ترامب يطالب بايدن بإجراء اختبار معرفي بسبب قرارته “المريعة”