برعاية وحضور رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان جرى إحياء الليلة العاشرة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس بحضور علماء الدين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية وحشد من المواطنين غصت بهم قاعات وباحات المجلس ليفترشوا الطرق المجاورة للمجلس،وعرف بالمناسبة الشيخ علي الغول وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم.
والقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان كلمة استهلها بالقول: “لا شك أنها هذه الليلة ليلة عظيمة على الله، رزية على نبيه(ص)، وموجعة لعلي وفاطمة(عليهما السلام)، وكاسرة للقلوب، ومفجعة لأهل السماء، إنها ليلة العاشر، يوم اجتمعت الجيوش على ولي الله، وابن بنت نبيه، تريد قتله باسم الله الذي يمجد الحسين، ثم ستذبح باسم نبيه، الذي مات وبين شفتيه “حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا”، ثم لم تكتف بذلك، حتى أمر عمر بن سعد عشرة من الخيالة أن تطأ صدر الحسين وظهره، ليسووا جسده بالأرض ففعلوا، وعاد قائدهم يقول:”أميري لقد طحنا عظام صدر الحسين”. ومن ورائهم عمر بن سعد يقول:”اشهدوا لي عند الأمير”، أمير قال فيه ابن سعد حين منعه ملك الري:”جحود، منافق، طائش، همه خمرته، ودينه بطنه وهواه، عدو لله ورسوله، أخزانا بقتل الحسين، ومنعنا الري، وحال بيننا وبين رسوله”. وبذلك خسر ابن سعد حظه من الأرباح الإلهية، خسر لأن قاتل الحسين سيحشر بأسوأ المواقف يوم القيامة.على أن ما جرى في كربلاء، لم يكن سببه رفض الحسين، إنما هو يوم السقيفة، يوم تنكر القوم للنبي(ص) بعهده وخالفوه، ثم اجتمعوا يتنازعون جهرا، قائلين: أنه سلطان محمد، ورسول الله مسجى بين أهل بيته. وفي هذا أخرج الطبري “أن هؤلاء ما علموا بدفن النبي الذي بقي ثلاثة أيام دون دفن إلا حين سمعوا ضرب المعاول في الأرض”
واردف سماحته: “لا شك أنها فجيعة الفجائع أن يتم التعامل مع النبي على أنه سلطان وليس نبيا، وتتنافس على خلافته بالسيف والفتن، على قاعدة أنهم أهل عشيرته، وأصحاب قريته، بعيدا عن أمر الله فيه وبرسالته، وهو عين ما ردده يزيد وبين يديه رأس الحسين، وبيده قضيب ينكث به شفتي الحسين، ويقول:”لعبت هاشم بالملك، فلا خبر جاء ولا وحي نزل”.لذلك، أن نقرأ الله علينا أن نقرأ النبي وعليا وفاطمة والحسن والحسين، أن نقرأ شرط الله بـ{قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} وليس مدرسة “إن النبي ليهجر”، ولا عقلية “تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان لا من جنة ولا نار”، ولا لعنة {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ}لأن الله حين حدّد البيت الممهور برضاه، المصطفى على إرادته، ومشيئته، قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. طهّرهم بأزليته، وأختصهم بملكوته واختزلهم لنفسه وقرنهم بدينه، وجعلهم صوته ومورد علمه ومسائله، حتى قال {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} لأنهم أهل القرآن، ومعتمدوه، ونظّارة صراطه، ومحجة دينه، لذا كان النبي(ص) يقول لأهل بيته: “من أطاعكم أطاعني، ومن عصاكم عصاني، ومن تبرأ منكم تبرأ مني، ألا وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا”.وبمجرد أن نازع النبي حتى انفضوا من حوله، أمرهم بالنفر مع جيش أسامة فامتنعوا، طلب كتفا ودواة فعصوه ورفعوا الصوت فوق صوته، والله أمرهم بقوله {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ}. بل وامتنعوا بشدة، ثم تداولوها تداول الكرة، وأعملوا السيف برقاب أهل بيته، فمزقوهم وشردوهم وقتلوهم، ورفعوا رؤوسهم فوق السنان، وداروا بنساء النبي سبايا في البلدان حتى قال الإمام زين العابدين(ع):”أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، إن هذا إلا اختلاق، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاءة بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، وأوجعها وأفجعها، وأكظها، وأفظها، وأمرها، وأفدحها؟ فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا إنه عزيز ذو انتقام”.
وتابع::”هكذا هو التاريخ، تشريد وتنكيل بخلفية جاهلية، وذلك بحق حبيب الأنبياء، ونجيب الأولياء، وسيد الشهداء، الذي نادى بالخلائق أن عودوا إلى الله، تخيروا الوجود، وثمنوا أنفسكم، لا ترتضوا باطلا ولا توالوا فاسدا، ولا تكونوا ضحية أهوائكم، ابدأوا بالله ثم بأنفسكم، وأسس عليه السلام على ذلك أن الإنسان مركز رحمة الله، وسبب قيام الدول وشرعيتها، وعليه، كلما كانت السلطة خادما للإنسان كانت مقبولة عند الله، وكلما خرجت على حقوقه وتمردت على مصالحه، كانت عدوة لله والإنسان. وهو ما عقب عليه الحسين بالقول: “إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق فاجر شارب الخمر قاتل النفس المحترمة (المحرمة) معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله”. وهو مرادنا اليوم من حقوق ناسنا وأهلنا وبلادنا وأوطاننا، لأن المطلوب سلطة مجيرة لخدمة مواطنيها وشعبها، وليس سحقهم ونهبهم والتمرد عليهم، وهذا يفترض دولة مؤسسات، لا دولة زعامات، بعيدا عن عقلية الحاكم وهواه، بعيدا عن الطائفية ونزاعاتها وخلافاتها، بعيدا عن الصفقات والشركات العائلية والرحمية، وهو ما نصر عليه اليوم، من خلال تشكيل حكومة مصالح وطنية، لا حكومة الحصص والصفقات والمزادات والمزايدات.
وقال المفتي قبلان: “إننا نحذر من المماطلة والمراهنة، فظروف البلد سيئة للغاية، والحرائق تحيط بنا من كل حدب وصوب، وبالخصوص الحرائق النقدية والمالية والاقتصادية.من هنا نطالب كل من فخامة الرئيس ودولة الرئيس المكلف، بعدم تقاذف الكرة الحكومية، والعمل معا على تأمين كل التنازلات والتسهيلات من أجل حكومة وفاق وطني، تكون في مستوى المرحلة وقادرة على إحداث نقلة نوعية إنقاذية تدفع بالبلد نحو الإصلاح الموعود والتغيير المنشود، إذ لا يجوز بعد اليوم أن نتحدث في حصة هذا الفريق وذاك، فيما البلد من سيء إلى أسوأ.أما ما يجري في المنطقة، فإلى الذين يلعبون بدماء الأمة وخراب المنطقة وتشريد وتهجير شعوبها بإيحاءات وإملاءات امبراطورية المال، نقول لهم: كفى حقدا وتحاقدا، كفى استرهانا واستتباعا، عودوا إلى كرامتكم وإلى إسلامكم، وإلى عروبتكم، افتحوا قلوبكم ومدوا أيديكم، تعاونوا على البر ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، تحاوروا وشاوروا وتصالحوا وكونوا معا في وقفة واحدة وموقف واحد، أوقفوا الفتن في اليمن وفي سوريا وفي العراق وفي ليبيا وفي أفغانستان، فما يجري في اليمن مذبحة انسانية حتما سينتصر بها الدم كما انتصر دم الحسين عليه السلام، وما يجري في ليبيا محرقة يتشارك بها العرب والاميركان والاوربيون وغيرهم، وما يجري في افغانستان بيد من اسس مدارس التكفير وغذاها ثم شارك الامريكيين اللعب فيها، وهو نفس الكلام الذي جرى في سوريا وهو ما نحذر منه العراق فلا يجوز ان ينجر اهل العراق المظلوم طيلة هذه الاعوام للسقوط في اللعبة على ان تحقيق المطالب الشعبية حق كحق الحسين واكبر اعداء العراق اليوم هو الفساد فاقتلعوا الفساد حتى لا يتحول الى يزيد اخر يذبح شعب الحسين ومكونات العراق العزيز دون رافة وانتصروا كما انتصر دم الحسين(عليه السلام) في كربلاء، وتذكروا دائما أن الإمام الحسين لم يخرج أشرا ولا بطرا، إنما خرج مصلحا، فأصلحوا، لأن السلطة التي تفسد وتنهب فهي بالتأكيد ليست على نهج الحسين، بل هي على باطل يزيد وظلم يزيد وعدوانية يزيد.
وفي الختام تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية، والشيخ موسى الغول زيارة الامام الحسين.