رأس بطريرك انطاكيا وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك مار يوسف الاول العبسي، قداساً احتفالياً في كاتدرائية القديس يوحنا الذهبي الفم في مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك التي وصلها في زيارته الأولى لها بعد انتخابه بطريركا، حيث أقيم له استقبال حافل.
حضر القداس وزير العدل سليم جريصاتي ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، النائب ميشال موسى ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون ممثلاً رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وزير الدفاع يعقوب الصراف، النائبان نعمه طعمه وادغار معلوف، اللواء جورج شريم ممثلا قائد الجيش العماد جوزاف عون، الوزراء السابقون: الان حكيم، الياس حنا سليمان طرابلسي ورئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن مع وفد من المجلس، المدير العام لامن الدولة اللواء انطوان صليبا، العميد جوزيف الكلاس ممثلا المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، المطارنة: بولس مطر، دانيال كورية، جورج حداد ومخايل أبرص وحشد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية وابناء الابرشية ورعايا بيروت وجبيل وتوابعهما.
وبعد تلاوة الانجيل المقدس، ألقى البطريرك العبسي الكلمة الاتية: "يطيب لي أن نلتقي اليوم بالفرح، في عيد أبرشية بيروت المحبوبة والمحروسة من الله، على دعوة من سيادة الأخ الموقر المتروبوليت كيرلس سليم بسترس راعي هذه الأبرشية، لنحتفل بالرب يسوع، بسر موته وقيامته، في هذه الليترجيا الإلهية، شاكرين له عطاياه كلها.
العيد الذي يجمعنا اليوم هو ذكرى لحدث تاريخي ورد في الإنجيل المقدس، ذكرى تقدمة الرب يسوع المسيح إلى الهيكل، تلك التقدمة التي كانت تجري، بحسب الشريعة الموسوية، في اليوم الأربعين لميلاد كل ذكر بكر.في هذا الحدث ترى الكنيسة، على ضوء تأملها في سر الخلاص الإلهي، أكثر من تقدمة، ترى لقاء بين يسوع الطفل الإلهي الآتي بالخلاص من جهة، والبشرية كلها الممثلة بالشيخ سمعان والمنتظرة لهذا المخلص من جهة أخرى. في عيد اليوم ترى الكنيسة الله تعالى في شخص السيد المسيح يبادر إلى لقاء الإنسان ليظهر له خلاصه، وترى الإنسان في شخص الشيخ سمعان يتقبل هذا الخلاص، ويعلنه من ثمة للعالم أجمع بفرح قائلا: "الآن تطلق عبدك بسلام أيها السيد لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام وجوه الشعوب كلها". عيد اليوم هو أن المسيح المخلص المنتظر هو هذا الطفل الإله الذي تقبله سمعان من مريم ويوسف وحمله على ساعديه ولمسه ورآه وتأمل به. وقد أكد في ما بعد يوحنا الرسول هذه الحقيقة التاريخية الإيمانية حين قال في رسالته الأولى: "إن ما كان من البدء، ما سمعناه وما رأيناه بأعيننا وما تأملناه وما لمسته أيدينا... به نبشركم" (يو 1: 1-3).
كنيستنا التي في بيروت، باختيارها لقاء يسوع وسمعان، لقاء الله والبشرية، عيدا لها، قد حددت هويتها، رسمت دربها، كتبت أسلوبها: أن تكون كنيسة اللقاء، كنيسة فاتحة ذراعيها للقاء الناس. وأول هؤلاء الناس هم بالطبع أبناؤها، تبادر إليهم، تحاورهم، تطلع على أحوالهم، تتلمس تطلعاتهم وتضمهم بعضهم إلى بعض، راغبة في أن يكونوا هم أيضا في حوار وفي لقاء بعضهم مع بعض، إلى أية فئة كان انتماؤهم، لكي يبنوا كنيستهم ومجتمعهم ووطنهم بالتفاهم والتعاضد، باستثمار طاقاتهم وإمكاناتهم والاستفادة من خبراتهم وما أكثرها وما أقواها. لذلك لا يسع الكنيسة بل لا يصح أن تكون الكنيسة طرفا أو حزبا. تجربة من التجارب الكبيرة التي يتعرض لها المسيحيون في حياتهم هي أن يعتبروا الكنيسة أو يجعلوا منها حزبا في حين أنها أم، أو مطية في حين أنها حضن.
وكنيستنا التي في بيروت اختارت اللقاء عيدا لها لأن كل شيء فيها يدعو إليه. فهي في الأساس كنيسة مشرقية جامعة في الكنيسة الجامعة. وهي في بيروت المدينة الجامعة المفتوحة. في بيروت بوابة الشرق في الماضي وفي الحاضر، فيها يحط التاريخ رحاله ومنها يكمل سيره. في بيروت ملتقى القانون والفن والعلم والأدب والصانعة للشهرة والعالمية. وهل من عجب إن كان القديس الشاعر والموسيقي الملكي رومانس قد أتاها من حمص في مبادىء القرن السادس لينطلق منها إلى القسطنطينية؟ وأبرشية بيروت هي في العاصمة، المدينة الوسط التي يلتقي فيها لبنان من أطرافه الأربعة، وكاتدرائيتها في وسط بيروت، في القلب الذي لها نصيب في نبضاته".
وتابع: "كل هذا قد جعل منا نحن أبناء الكنيسة الملكية في بيروت ولبنان أهل الوسط، أهل الحلول. هذا الدور، بل بالحري هذه الرسالة هي مسؤولية وطنية لا يسعنا التخلي عنها، من حرصنا على بقاء لبنان بلدا للتعددية والديموقراطية ونموذجا للعيش الواحد ومدرسة للتوازن والاتزان. هذه الرسالة التي نحملها نتمنى أن يحملها غيرنا أيضا، ولا شك أن هناك من يحملها. إذذاك نطلق كلنا، من شيخوختنا، من عجزنا، من أنانيتنا، من كبريائنا، من تقوقعنا، من كل ما من شأنه أن يعرقل أو يمنع التلاقي في ما بيننا.
عندما ذهب يسوع ليلاقي سمعان اختار الهيكل لملاقاته لأن الهيكل تصونه وتقدسه الشريعة ولأن الهيكل يكسب اللقاء جدية والتزاما وقوة واستمرارا. أما الموضع الذي نحن اللبنانيين مدعوون إلى التلاقي فيه، الموضع الطبيعي الذي يصون ويقدس ويقوي ويديم تلاقينا، فهو المواطنة. المواطنة هي الموضع الصحيح لتلاقي اللبنانيين بين مواضع التلاقي الأخرى. إنها مفتاح العقد في البناء، إنها حجر الزاوية لكل التلاقيات الباقية على أنواعها وعلى أهمية كل منها. إنها الوطن. وكما حمل سمعان الشيخ يسوع بين ذراعيه وأعلنه نورا للعالم نحمل نحن وطننا في قلوبنا وأفكارنا ونحميه بسواعدنا لنقدمه منارة للعالم. ومنارة بيروت ما زالت قائمة لتكون الأولى في القيام بهذه الرسالة الجليلة.
في طريقي إلى هنا، عرجت على كنيسة مار إلياس، الكنيسة الكاتدرائية. كم كان تأثري كبيرا حين وقفت في صحنها ورأيت الجمال الذي أعاده إليها أولادنا البيروتيون بعد أن دمرت. ومرت بخاطري وجوه أجدادنا وآبائنا الذين عمروها لنا رمزا لإيمانهم وثباتهم ودعوة إلى أن نبقى في بلدنا. وكم سررت حين شاهدت قائمة من حولها كنائس ومساجد تلاقيها، ومجلس النواب هناك يجمعها.
هذا هو التحدي الكبير اليومي: أن نخرج من ذواتنا إلى الوطن. أن لا نكون نحن في وطن بل أن يكون الوطن فينا، في كنائسنا ومساجدنا، في بيوتنا ومدارسنا. إلا أنه ما من تحد مهما كان كبيرا يعصى علينا الانتصار عليه ما دامت لدينا الإرادة. أن نختار ونريد وطننا في كل وقت وفي كل ظرف. أن نختار ونريد شركاءنا في الوطن في كل وقت وفي كل ظرف، محترمين خصوصياتهم وحقوقهم، متخذين الوفاق نهجا، هذا هو التلاقي الصحيح الذي يعد بالخلاص.
أيها الأحباء، إن هذا الصرح الذي نحن قائمون فيه طالما كان موضع لقاء اللبنانيين وخاصة البيروتيين، وما زال، بفضل أساقفة عظام تعاقبوا عليه وخدموا الكنيسة، ومن بينهم الجالس فيه اليوم سيادة المتروبوليت كيرلس. أحرق هذا الصرح في الأحداث اللبنانية الأخيرة ودمرت كاتدرائيته في وسط بيروت. إلا أنه بفضل أبناء الأبرشية الأسخياء أعيد إلى ما هو عليه وأجمل، وكذلك الكاتدرائية التي تعد لؤلؤة الأبرشية ومعلما لبنانيا، وذلك لإرادة الإبقاء على دورنا في بناء لبنان حيا فاعلا. ولا بد لي هنا من ذكر مأثرتكم الأخيرة الكبيرة، من بين منجزات متعددة متنوعة، المأثرة التي لا تؤكد على هذا الدور الذي لأبرشيتنا البيروتية فقط بل تبرز أيضا وجه بيروت ولبنان الناصع، ألا وهي المأوى الجديد الذي بنيتموه بسعيكم وتعبكم. إن هذا المأوى يكشف عن وجه الكنيسة الاجتماعي، عن التزامها بخدمة المحتاجين والضعفاء والمهمشين. فالشكر الكبير لكم أيها الأبناء البيروتيون المحبوبون. إن أبرشيتكم، بتاريخها وجغرافيتها، بأسقفها وكهنتها ورهبانها وراهباتها، بحضورها وشهادتها، بمؤسساتها وأعمالها، هي اليوم مركز ثقل في كنيستنا الملكية. أحييكم أجمل تحية وهنيئا لكم قربكم من كنيستكم وغيرتكم عليها وفخركم بها وعملكم فيها".
وأضاف: "أحيي وأشكر الإخوة الحاضرين الذين من الكنائس الشقيقة. حضوركم اليوم دليل وتأكيد على المحبة المتبادلة وعلى التعاون الوثيق القائم في ما بين الكنائس التي في بيروت في مجالات متنوعة. هذا يقوي بلا شك شهادتنا الإنجيلية الواحدة، لا سيما لمن هم في الخارج، ويجعلها أكثر صدقا وتأثيرا. في عيد التلاقي الذي نحتفل به كلنا اليوم لنصل إلى الله تعالى أن يحث خطانا في مسيرة التلاقي وأن يقربنا بعضنا من بعض كل يوم أكثر من أمس إلى أن نبلغ الوحدة في كمال المحبة.
أحيي وأشكر الإخوة المسلمين الذين أحبوا أن يكونوا معنا اليوم. في حياتنا الوطنية والاجتماعية وحتى الإيمانية نقاط نلتقي عليها. فلنبحث عنها ولنكثر منها ولنشجع عليها من أجل تكوين المواطن الصالح وبناء الوطن الواحد الذي اخترناه بإرادتنا الحرة. بعضنا مع بعض نرسم صورة نموذجية لمن يبحث ويسعى إلى التلاقي بالاحترام والمحبة.
وأنتم أيها الأبناء المحبوبون، أبناء أبرشية بيروت الذين هم فرحنا وفخرنا وقوتنا، أهنئكم بالعيد وأشكركم على مشاركتكم في هذه الليترجيا الإلهية التي تجسد وحدتنا في الإيمان والرجاء والمحبة، لا سيما الذين حضروا هذا اللقاء بشكل من الأشكال، وبنوع خاص المجلس الأبرشي والجوق. أشكر أولادي الكهنة والرهبان والراهبات. أشكر وسائل الإعلام وخصوصا تلفزيون تيلي لوميار.والشكر الخاص لسيادة الأخ المتروبوليت كيرلس راعي الأبرشية على دعوته ومحبته وللإخوة السادة المطارنة على مشاركتهم ومحبتهم.
والشكر الكبير، الأول والأخير، لله تعالى الذي قدرنا أن نلتقي اليوم في هذه الكنيسة المقدسة، جماعة مصلية متقبلة على ذراعيها الطفل يسوع ومنادية بالخلاص للبنان ولجميع أهله مع الشيخ سمعان وقائلة: "أطلقنا الآن بسلام أيها السيد فإن أعيننا قد أبصرت خلاصك".