أخبار عاجلة
أسعار النفط تتراجع بعد تباطؤ اقتصاد الصين -
الدولار يتجه للارتفاع -

استهداف السفارة الأميركيّة في أنقرة… دلالات وتداعيات

استهداف السفارة الأميركيّة في أنقرة… دلالات وتداعيات
استهداف السفارة الأميركيّة في أنقرة… دلالات وتداعيات

في تطوّر يتزامن مع احتدام التوتر بين تركيا والولايات المتحدة، تعرّضت السفارة الأميركية في أنقرة لإطلاق نار في 22 آب (أغسطس) الجاري، اعتبرته تركيا هجوماً «استفزازياً» لإثارة الفوضى، وزادت التدابير الأمنية في محيط السفارة والقنصلية الأميركية.

 

 

وأثار الاعتداء قلق واشنطن، خصوصاً أنه لم يكن الأول من نوعه، فقد استُهدفت البعثة الأميركية عام 2013 بتفجير انتحاري. كما تعرض مبنى القنصلية الأميركية في اسطنبول عام 2015 لإطلاق النار، وقُتل 3 مهاجمين و3 شرطيين أتراك أمام القنصلية في العام 2008.

 

ودخلت العلاقات التركية – الأميركية مرحلة الشحن على خلفية رفض أنقرة الإفراج عن القس الأميركي «آندرو برونسون»، الذي تضعه قيد الإقامة الجبرية، بتهمة التورط في مساندة جماعات إرهابية، من بينها حركة «خدمة» المتهمة بتدبير الانقلاب الفاشل في تموز (يوليو) 2016.

 

وفي إطار هذه القضية، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على تركيا، ساهمت في انكشاف حالة التردي في مفاصل السياسات النقدية التركية، ولعبت دوراً إضافياً في تراجع أسعار صرف الليرة التركية، كما هددت الإدارة الأميركية أخيراً بتشديد العقوبات على تركيا بعد رفضها الاستجابة لتسليم القـــس الأمـــيركي، ويأتي ذلك بعد أن فرضت عقوبات في الأول من آب (أغسطس) الجاري على كل من وزير العدل التركي «عبدالحميد غول» ووزير الداخلية «سلـــيمان ســويلو»، متّهمة إياهما بالمساعدة في اعتقال القس. كما يبقى مرشحاً فرض عقوبات مالية باهظة على بنك «خلق» التركي، حيث تتهمه واشنطن بمساعدة إيران في خرق العقوبات في الفترة من 2010 – 2015.

 

والأرجح أن حادث الاعتداء على السفارة التركية يكشف عن دلالات عدة، أولها أن أنقرة باتت تعتبر واشنطن حليفاً على قلق، وبناءً على هذا دخلت تركيا في خلافات مع الإدارة الأميركية في شأن عدد معتبر من قضايا الإقليم. وفي الآونة الأخيرة، لوحظ أن أنقرة تريد أن تغير سياستها نحو الولايات المتحدة في مجالات كثيرة، بل تنزعج من الموقف الأميركي في بعض القضايا، أبرزها دعم وحدات حماية الشعب الكردية في سورية.

 

وثانيهما، أن زيادة مساحة التوتر قد تكون هي الأوفر في الفترة المقبلة، لا سيما مع رفض أنقرة طلباً قضائياً جديداً بالإفراج عن القس أندرسون مقابل احتمال أن تتوجه إدارة ترامب نحو تشديد عقوباتها على أنقرة في الفترة المقبلة، خصوصاً أن تركيا لم تعد في الاستراتيجية الأميركية كما كانت عليه زمن الحرب الباردة، حين استهدفت واشنطن احتواء نفوذ السوفيات.

 

وفقدت العلاقة بين البلدين جانباً واسعاً من خصوصيتها، في ظل توجّه أنقرة نحو الانخراط المكثف شرقاً، فمثلاً أبرمت صفقة شراء منظومة S 400 مع موسكو التي تراها واشنطن لا تتفق مع موقع أنقرة وموضعها في حلف الناتو، كما ذهبت تركيا بعيداً في رفض العقوبات الأميركية على إيران التي بدأ تنفيذ مرحلتها الأولى في آب (أغسطس) الجاري، وتأتي الباقية منها مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وتحرص تركيا على استمرار وارداتها من النفط والغاز الإيراني، بالنظر إلى الجودة والسعر بجوار القرب الجغرافي.

 

خلف ما سبق، فإن حادث الاعتداء على السفارة الأميركية يكشف عن تصاعد التيار القومي المتشدد في تركيا، وبدا ذلك في تحالف حزب الحركة القومية مع العدالة والتنمية. وعمدت وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية، وخطابات الرئيس أردوغان على نحوٍ ثابت إلى استخدام الخطاب القومي بكثافة طوال الشهور التي خلت. وربما أقدم المتهمون بالاعتداء على السفارة الأميركية على هذا الفعل من منطلق الاقتناع بأفكار التيارات القومية المتشددة التي باتت تصنف الولايات المتحدة قوة معادية تستهدف النهضة التركية.

 

وترتبط الدلالة الرابعة برغبة تركيا في إيصال رسالة مبطنة إلى واشنطن، تبين فيها عدم الرضا عن السلوك الأميركي تجاه القضايا التركية، وأنها في صدد اللجوء الى شركاء آخرين مثل روسيا والصين، بجانب فرنسا وألمانيا اللتين أظهرتا رغبتهما لدعم الاقتصاد التركي، وهذا ما يبدو حلّاً مقبولاً لمساندة اقتصادها في المدي القصير.

 

صحيح أن واشنطن ليست الشريك التجاري الأول لأنقرة، إضافة إلى حصول تركيا في تموز الماضي على قروض من مؤسسات مالية صينية، وتوقيع عقود شراكة في مشاريع صناعية جنباً إلى جنب حصولها على موافقة من الصين، وروسيا، وإيران على استخدام العملة المحلية بدلاً من الدولار في المبادلات التجارية مع هذه الدول، إلا أنها قد تفقد بعض المكاسب التي وفرتها لها الشراكة مع الولايات المتحدة، حيث يصل حجم الاستثمارات الأميركية في تركيا الى نحو 110 بلايين دولار.

 

كما أن اختيار توقيت الحادث يتزامن مع تصعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهجته حيال تركيا من جهة، ومن جهة ثانية قيام أنقرة بتصدير صورة ذهنية مغايرة للقس الأميركي، باعتباره عميل مخابرات، وأحد الذين شاركوا في نهب ثروة العراق إبان الحرب في العام 2003.

 

بجانب ما سبق، توجد مجموعة من الدلالات الأخرى المتعلقة بالأجهزة الأمنية التركية ذاتها وعملية تأمين السفارة الأميركية، من بينها وجود حالة من التراخي والتقصير لدى الأجهزة الأمنية التركية في تأمين السفارة، إضافة إلى تأثر الجهاز الأمني التركي سلباً بحملات التطهير في صفوف العناصر الأمنية عشية الانقلاب الفاشل، حيث تمت إطاحة عدد واسع من العناصر ذات الكفاءة والخبرة.

 

في المقابل، ثمة تداعيات سلبية لحادث الاعتداء على السفارة الأميركية، من بينها احتمال توجه واشنطن لتحميل أنقرة المسؤولية السياسية عن الحادث نتيجة للتصعيد غير المسبوق في وسائل الإعلام التركية ضد الولايات المتحدة، على خلفية العقوبات التي فرضتها على قطاعات اقتصادية تركية. كما أنه من المحتمل إقدام أميركا على إعادة تشديد إجراءات سفر السياح الأميركيين إلى تركيا، وأيضاً تزايد صورة الوضع الأمني في تركيا سوءاً أمام العالم الخارجي، ناهيك عن التشكيك في قدرات جهاز الأمن التركي ومدي فاعلــيته في مكافحة التنظيمات الإرهابية.

 

القصد أن حادث الاعتداء على السفارة الأميركية يحمل عدداً من الدلالات السلبية في ما يتعلق بالعلاقات التركية – الأميركية، كما يكشف في جانب آخر عن إشكاليات يعانيها القطاع الأمني التركي، وقد تترتب على ما سبق تداعيات سلبية على الاقتصاد التركي بعد رفض ترامب رفع العقوبات التي فرضها أخيراً على أنقرة، حتى حال الإفراج عن القس أندرسون، وهو ما قد يساهم في تفاقم الوضع الاقتصادي التركي.

 

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بوريل: لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة لبنانية