بحسب الأرصاد الجويّة، سيحلّ منخفض جويّ على لبنان منتصف الليل. أمطارٌ غزيرة ستهطل غداً على الأراضي اللبنانية كافة، والرياح قد تعصف كمارد ثائر وغاضب!
"العاصفة" المرتقبة ليست أقوى من تلك التي سبقتها منذ أيام، من منظور الطقس. لكنها ستكون أشدّ فتكاً من ناحية أخرى، كونها قد تبعثر الزبالة التي "طارت" أو سبحت من الدورة وبرج حمود إلى نهر الكلب في أمكنة أخرى. ربما تصل تلك النفايات غير المعالجة إلى عتبات منازل اللبنانيين، ومن ضمنهم المسؤولين. وعلى الأرجح، سوف يلفظ البحر مزيداً مما تجرأ حكام لبنان على ردمه به. الأكيد أنّ العاصفة الآتية على عجل ستكون أقسى وأقوى، قادرة على استخراج حقائق ووقائع مرّة، ووضعها في الواجهة.
والحقيقة أنّ مسؤولية تحويل لبنان، بشواطئه وجباله وسهوله وبحره، حاوية نفايات ضخمة وفتاكة، لا يتحملها بعض السياسيين وأصحاب القرار وحسب، بل أيضاً الشعب اللبناني الذي يعيش على قاعدة "عيناً لا ترى، قلباً لا يوجع"، أو بالأحرى، يعيش في حال إنكار وتجاهل تام للمعضلات والكوارث التي تخنقه. هل حقاً من يتفاجأ اليوم بمشهد الزبالة التي بصقها البحر، موطن بلوكات النفط والازدهار والسياحة، إلى رمال هي أصلاً ملوّثة منذ زمن؟! هل من كان فعلاً يصدق أنّ مطمراً أقيم في محاذاة البحر، لن يتمدد ويتوّسع ويُسمم؟! هل من صدّق أنّ النفايات كانت فعلاً تُعالج؟!
مشكلتنا في لبنان أننا لا نتنبه للواقع والحقيقة إلا عندما تنتشر صورة فاضحة في العالم الافتراضي. نصاب بالصدمة ونهرول إلى "جدراننا" وشاشاتنا كثوّار لا يهابون الموت في سبيل الحريات والكرامة. نستفيق لساعات، أو لأيام كحدّ أقصى، نسمع في خلالها مئات المواقف المستنكرة الصادرة عن مسؤولين وافقوا على كارثة النفايات، أو غضّوا عنها الطرف أو التزموا صمت القبور. ساعات أو أيام بالكاد ونعود إلى حياة الروبوتات. نصدق حينها أنّ الزمن، زمن انتخابات وتحضير للتغيير. وما إن تهبّ عاصفة أو تسطع شمس حارقة، نتذكر مجدداً أنّ هذا الزمن ليس إلا زمن نفايات وتحقير.