كم هو صعبٌ أن نرى هذا الانقسامُ العموديُّ المُتَشكِّل على ميدان "نادي الغولف"، بين مدافعٍ عن بقاءِ النادي وآخر عن حقوقِ بلدية الغبيري المَسلوبة فيه، يصبح الموقف أصعب حين يغدو الانقسام بين طبَقَتَيْن، الأغنياء الذين يستوطنون النادي والفقراء الذين يكتَفون بمشاهدته من بعيدٍ.
هكذا أرادَ البيان الأخير لـ"نادي الغولف" أن يوصّف الحالة الراهنة. جعلها معركة بين الأغنياء والفقراء حين أقحمَ منازل هؤلاء العشوائية المنتشرة في محيط النادي ونصّبها وقوداً في معركته بوجه البلدية، متسائلاً بغصّة: لماذا بلدية الغبيري لا تستوفي الضرائب من هؤلاء "المشحّرين"، المشحرين الذينَ تتفتّت على أعتابهم قلوب أعضاء النادي المتخمين بالأموال!
القصة لم تستقر عند هذا المستوى، بل أن "عشوائيات" النادي شطحَت صوب الاقليم، ومن حيث لا نعلم، كشفَ عن معلومات استخباراتية يمتلكها، من نوع "سرّي للغاية"، حول وجود "رغبات" لدى بلدية الغبيري، في منح أراضي "النادي" المستأجرة إلى السفارة الايرانية، من أجل توسيع حدود الدولة الفارسية طبعاً! كلام لا يُصرف إلا من بوابة مذهبه وطوئفة وتسييس القضية، وربما تطاول الأبعاد شحذ همم طبقة الـ14 السياسية!
رئيس بلدية الغبيري السيد معن الخليل، يتنكّر لهذا الأسلوب الذي يُمأسس إلى تحويل نزاع حقوقي - عقاري بين البلدية ونادٍ إلى "أزمة إقليمية، يستدعي من أجلها القريب والبعيد"، مستغرباً البيان الأخير لـ"نادي الغولف" الذي خطوات البلدية بـ"الغزو الاسرائيلي لبيروت عام 1982"!
الخليل، إكتفى بوضع القضية أمام الرأي العام لكي يحكم، مشدداً على خطوات البلدية القانونية تجاه تأمين حقوقها، لكنه كشف في حديث خاص لـ"ليبانون ديبايت"، أنه استمهلَ تنفيذ قرار إقفال نادي الغولف لحين استيفاء الشروط، نزولاً عند رغبة وزيرة الداخلية ريّا الحسن، التي دخلت على خط الوساطة من أجل تأمين حل يرضي الطرفين.
قضية "نادي الغولف"، ليست حديثة، عمرها من عمرِ التحوّلات التي دخلت على الضاحية، وهذا الصرحُ المُكوَّن بين طبَقَتَيْن عمره من عمرها ايضًا، أي أن المشكلة لا مناطقية ولا سياسية، بل تكمن في العقلية المتحكمة اليوم!
بلدية الغبيري تناضل منذ اعوامٍ من أجلِ استرداد حقوقها من النادي، الذي يجذب ويستحوذ على أطنانِ المليارات ولا يمنح البلدية منها سوى الفُتاتِ. أصحاب الحق، مش "ضايقة" عينهم بالأموال، صَحتين، ولكن "ضيق العين" هو في إشغالِ عقارات تتبع للبلدية والتعدّي على عقارات أخرى لقاءَ الفُتاتِ الذي لا يسدّ الرمق.
وأصلًا البلدية لا تستهدِف النادي كما يحلوا لاصحابِ نظرية المؤامَرة القول. كلّ ما في الأمرِ، أنّ رئيسها معن الخليل باشرَ قبل مدّةٍ عمليّة "تنظيف وتطهير" للحقوق المُغتَصَبة في نطاقِ البلدية من تعدّياتٍ على الأملاك العامة والعقارات، نجَح في أماكنٍ كثيرةٍ وفشِل في أماكنٍ أخرى، لكن ما أقدَم على فِعله موضع احترامٍ وتقديرٍ وتأييدٍ ولم تُقدِم عليه أيّ بلديةٍ أخرى، خاصّة في نطاق الضاحية. اذًا، النادي ليس "الاستثناء"، ولا معن خليل "شاغل رأسه" بالنادي ويضعه نصب عينَيْه فقط لأنّه يريد "تكسير رأسه"، كلا، القصّة حقوقيّة بامتيازٍ.
ويُسَجَّل للخليل، أنّه جابه على جبهةِ الغبيري كارتيلات عدّة، حزبيّة تحمي المُعتَدين، وأخرى تفرض خوّات وتبيح الاعتداء العلني على الأملاك العامّة، وكنتيجةٍ طبيعيّة لضربِ مصالحِ هذه الكارتيلات، وصلَ الأمر بأفرادها الساندين ظهورهم الى قوّةِ الأمرِ الواقعِ، إلى محاولةِ الاعتداء على رئيس البلدية جسديًّا وربّما قتله في محيطِ منزله خلال إحدى ليالي عاشوراء، بعدما تجمهروا مُردّدين الشتائم والتهديدات على مرأى ومسمعٍ من عائلته وكلّ ما تيسَّر من عدّة "الزعران" المتوفرة.
وطبعًا، مواجهة "كارتيل نادي الغولف" لا تنفصل عن السياق الذي رسمه الخليل في الكفاحِ من أجلِ استرداد عقاراتِ بلديته المَسلوبة، التي حوَّلها أعضاء الكارتيل من الأغنياءِ أصحاب اشتراكات الـ ١٥٠٠٠ الف دولار اميركي وما فوق الى قضيةِ رفقٍ بالأشجارِ وحماية المساحات الخضراء وقلب الباطل على الحقّ وتصوير أنّ رئيس بلدية الغبيري هو كنايةٌ عن رجلٍ شريرٍ كاره للطبيعةِ يشهر فأسًا ويريد الانتقام من الأشجارِ وتقطيعها.
لا يا سادة الغولف، الأمور ليست على هذا النحو. دعكم من فنونِ "الطرش" و "التبييض" و "التملق" وتحوير الاسباب وجعلها معركة وهميّة مُرَكّبة افتراضيًّا بين الباطون والشجر. كلّ ما في الأمر، أنّ بلدية الغبيري تريد تحصيل حقوقها الماليّة المُترَاكمة على ناديكم العزيز من أجل استئناف مشاريعها المتوقفة على "كدسات" اموالكم لكون الحكومة لا تسدد مستحقاتها، لا من أجل تدميرِ النادي. اسمحوا لنا، من ابلغكم هذه الترّهات؟
ثمّ من قال لكم أنّ البلدية في صددِ منعكم من ممارسةِ ملذّات الثراء الفاحش والانتقاص من عضويّتكم في ناديكم أو أنّها تريد سلبكم هذه الحقوق الرفيعة والصفات الحميدة وتحويلكم إلى مجرّد أشخاصٍ بائسين لا يجيدون قذف الكرات؟
دعكم من ذلك كلّه، إذ ليس من ضمن مشاريع بلدية الغبيري تدمير النادي وبناء سوق خضارٍ شعبيٍّ على أنقاضه، معاذ الله كلا! كلّ ما في القضية، أنّ بلدية الغبيري تريد استرداد أموالها ووقف التعديات التي يقوم ناديكم بها، وتريده أن يَنشَط ويعمل ضمن الشروط القانونيّة، وهي اصلًا تجده مساحة خضراء تحتاجها المنطقة، فلا تحوِّروا الوقائع وتأخذوا المسألة إلى مكانٍ آخر، واستنهاض قضيّةٍ غير موجودةٍ بهدف التعمية على الأهداف الحقيقيّة.
ودعكم من ابتكارِ مفرداتِ التآمر وتسويقها عبر اختلاق قضيةٍ موازيةٍ لها اسمها "تدمير المساحة الخضراء الوحيدة في العاصمة"، لا أحد يريد تدمير المساحات، "خدونا بحلمكم وروقوا علينا شوَي". إثارة الرأي العام بالاعتماد على اعضائكم وأموالكم لن ينفع بل سيسقط أمام الحقيقة والحق. وَفِّروا على أنفسكم اموالًا وجهدًا وضعوا "تكبير الرأس جانبًا".
ببساطة، ادفعوا الأموال المترتبة عليكم تنتهي القصة، قوموا بتسوية تعدياتكم تنتهي القصّة، اعترفوا بحقوقِ المنطقةِ عليكم تنتهي القضيّة، تصرَّفوا على أساسِ انكم مواطنين ودعوا جشع الثراء جانبًا ينتهي الموضوع. تنتهي القصة يا سادة بمجرّد أن تعود أقدامكم إلى الارض، ودعكم من استنفارِ الأقلامِ والآراءِ والطوائف والمذاهب والطبقات والاقاليم وشتى المذاهب السياسية ومغاربها، وَوفِّروا "دفعات زيادة".
عبدالله قمح - ليبانون ديبايت