صبيحة الأحد 13 تشرين الأول الجاري، حيّا السيد وئام وهاب وزيرَ الخارجية اللبنانية جبران باسيل على كلمته في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة (السبت 12 تشرين)، المخصص لبحث الموقف العربي من الهجوم العسكري التركي على الكرد في شمال سوريا. فزايد السيد وهاب على الوزير باسيل في غرامه بسوريا الأسد وبالعروبة، وقال: "لا معنى لجامعة عربية أو عروبة من دون سوريا".
الوزيران الأسديان
فات السيد وهاب ما اعتاد عليه وأمثاله من نسبة سوريا إلى سيده الأسد. وفاته أيضاً - كرهطه - التذكير بمناسبة 13 تشرين العونية: هجوم الجيش الأسدي على الجيش اللبناني العوني، وقتلُه وإعدامُه كثرةً من جنوده وضباطه، وقصفُه القصر الجمهوري اللبناني بالطائرات وتدميره، وإرغامُه صاحبَ صرخة "ياشعب لبنان العظيم" لتحريره من الاحتلال الأسدي، على الفرار إلى السفارة الفرنسية، من دون إعلام جيشه بما عليه أن يفعله في ذلك النهار اللبناني المشؤوم (13 تشرين الأول 1990).
ولولا ماجرى في ذلك النهار لظل السيد وهاب والوزير باسيل شخصين مجهولين كسائر خلق الله. فلا كان لوهاب أن يتربع على كرسي الوزارة في عهد الوصاية الأسدية على لبنان، ليصبح من المأذونين الذين تُتناقل أقوالهم ومواقفهم. ولما تربع باسيل على عرش أكبر تيار مسيحي في لبنان اليوم.
وفي النهارين المنصرمين (السبت والأحد) ازدحمت المناسبات والمواقف على العونيين، والملحقين بهم والمستظلين وإياهم بسلطان وكيل الولي الفقيه الإيراني وجيشه في لبنان. وهي مواقف ومناسبات يحتاج التباسها وتناقضها إلى تلفيق وخداع، لتنقلب ذكرى محاولة تحرير لبنان العونية من الاحتلال الأسدي، إلى نصرة الأسد في تدميره عمران سوريا وإبادته وتشريده الملايين من شعبها، وإلى محو ما ارتكبه في لبنان طوال عقود من تسعير الحروب الأهلية فيه، وتأليب جماعاته واستتباعها، وأبقائها في "سلم أهلي بارد" على شفير الحرب. وإلا فالاغتيالات والتفجيرات لمن يحاول الخروج على هذه المعادلة الأسدية من اللبنانيين. تماماً مثلما قال الأسديون للشعب السوري المنتفض منذ سنة 2011 على ديكتاتوريتهم المدمرة: "الأسد أو نحرق البلد". وهم قالوا ذلك وفعلوه طوال سنوات، منذ مجازرهم في حماة وتدميرهم قلبها القديم في العام 1982، وأعادوا الكرة بأشرس منها في حمص وحلب ما بين 2012 و2016، وحتى اليوم.
الحب العذري
أما النائب العوني السابق أمل أبو زيد، فيرى أن "الهجوم العسكري والسياسي فشل عام 1990 في تحقيق أهدافه ضد الجنرال ميشال عون رئيس الحكومة العسكرية". لا يفصح النائب السابق عمن هم المهاجمون، كأنهم أشباح أو مجهولون، أو أنه يُبقي تسميتهم طي السر والكتمان في صدره، على مذهب الشعراء العذريين الذين يمتنعون عن إفشاء أسماء معشوقاتهم، لئلا يفسد الإفصاح عنها هيامهم وعشقهم. لكنه يذهب مذهباً نقيضاً، هو مذهب شعراء التشبيب، من أمثال عمر ابن أبي ربيعة، في إفصاحه عن غرامه المتفاخر بسيده وجنراله ميشال عون الذي يقلبُ النائبُ السابق فرارَه من القصر الجمهوري إلى فشل للجيش الأسدي، رغم قتله وإعدامه واعتقاله المئات منهم.
وبحسب أبو زيد أن الوجه الاقتصادي لـ 13 تشرين اليوم "لن يحقق للواهمين مآربهم في تحميل الجنرال عون مسؤولية الأزمات الاقتصادية والمالية المتراكمة، وسيسقط تحريضهم وتتحطم آمالهم على أبواب قصر بعبدا، ولن ينالوا من هيبة وكرامة الرئيس الصامد في وجه كل العواصف (كما صمد في وجه جيش الأسد في 1990!). ولا يفسر النائب العوني السابق لماذا طوّحت وتطوّح بسيده الجنرال طوال 30 سنة كل هذه الطموحات الملتهبة للوصول إلى سدة الرئاسة في دولة دمرتها الحروب الأهلية، وتعصف بها الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية المتراكمة؟!
مفارقة كنعان
وهذا النائب ابراهيم كنعان يصرخ: "يا لها من مفارقة! ففي مثل هذا اليوم قبل 29 عاماً، وفي ظل صمت دولي، اعتدت دولة وجيش على سيادة لبنان، وكانت المجازر". مجازر بمن؟ ومن هي تلك الدولة وجيشها؟ يبتلع كنعان لسانه مثل سائر رهطه، ويرفع صوته قائلاً: "لبنان (هو) الذي نُفي (أي الجنرال) وعاد ليدافع في جامعة الدول العربية (أي صهر الجنرال العائد) عن الدولة المعتدية في ذلك الحين، لأن شهادتنا وشهادة شهدائنا وأهلنا لم تكن موجهة ضد شعب ودولة، ولا ضد شخص، بل ضد الاعتداء على السيادة اللبنانية وانتهاك حرمة حرية واستقلال لبنان". لا يهم كنعان من هم المعتدون على السيادة والاستقلال. فهذا تفصيل نافل لا معنى له. المهم أن لبنان كان أرضاً قفراً لا حياة فيها ولا بشر في غيبة الجنرال، الذي عاد بعد عقدين ليتفاجأ بأنها عامرة، فراح يقول مستغرباً: كيف عمرتموها في غيابي؟! إنكم حقاً لجاحدون. لقد أغراكم رفيق الحريري، صاحب الاقتصاد الريعي، ومراكم ديون الإعمار عليكم. سأصير رئيساً للجمهورية، وأنفيكم من مملكتي، وأحوِّل تركة اقتصاد الريوع والديون اقتصاداً منتجاً بالتفاهم والتعاون مع حزب الله، حزب نمور رجال الصناعة والزراعة والأعمال والاستثمارات المنتجة الإيرانيين والأسديين في لبنان.
باسيل ولعبة الأمم
أما جبران باسيل فبدأ كلمته الـ 13 تشرينيّة في الحدت عن الشهداء، فقال "إنهم افتتحوا باستشهادهم "لعبة الأمم". وهذه عبارة حبيبة على قلب أنطون سعادة، زعيم الحزب الفاشي الأول في المشرق، والمهاجر المغترب، مثل جنرال "قصر الشعب"، المنفي والعائد والمنخرط في لعبة الأمم، الشبيهة بلعبة البوكر أو الروليت الروسية في المخيلة المشتركة السورية القومية والعونية والأسدية، على ما كتب الشاعر الراحل محمد العبدالله: "من الروليت إلى السلطة"، واصفاً بهذه العبارة مقدمي الحركة الوطنية من زملائه وأصدقائه في الجامعة اللبنانية في مطالع الحرب الأهلية. وهذا أيضاً اليوم، ومنذ عودة جنرال المنفى، لسان حال قدامى التيار العوني، الشبان المحرومين من أبوّة الجنرال العائد وأخوّة جبران باسيل، والمنفيين من مملكتهما.
وختم باسيل كلمته بالتمني على الرئيس عون، أن يضرب بكفه على الطاولة (طاولة ماذا ياترى: المقامرة؟ الروليت؟) عندما يغضب ولا يعود قادراً على تحمّل غضبه. وتابع باسيل قائلاً للرئيس: "ونحن مستعدون لقلب الطاولة"، فتعود جنرال قصر الشعب.
محمد أبي سمرا - المدن