خريطة النفايات على الشاطئ الجنوبي: أشلاء بشرية في العباسية

خريطة النفايات على الشاطئ الجنوبي: أشلاء بشرية في العباسية
خريطة النفايات على الشاطئ الجنوبي: أشلاء بشرية في العباسية

على حاجز للجيش اللبناني و"اليونيفيل" على مدخل بلدة برج رحال (قضاء صور)، غير بعيد من مكب نفايات ينفث دخاناً ضبابيا، نضطر لفتح نافذة السيارة، فتتدفق الرائحة قبل إلقائنا التحية على عنصر من الجيش اللبناني. ونسأله: "كيف تتحملون هذه الرائحة؟"، فيجيب: "إلنا الله".

من بيروت إلى صور
نتابع طريقنا قادمين من بيروت، فنتذكر ما شاهدناه بدءاً من الأوزاعي: مكبات ساحلية للنفايات، تبدأ بمكب الكوستابرافا ونهر الغدير، غير بعيد من مطار رفيق الحريري الدولي.

عبرنا نفقين تحت المطار وصولاً إلى أتوستراد خلدة، فيما رائحة النفايات المخمّرة والصرف صحي تعبق، ويا للحظ السيئ لمن ليس من مكيّف في سيارته. نقترب من الدامور، فتلوح مداخن معمل الجية الحراري الكهرباء والسموم. لجنة من خبراء فرنسيين صنّفت المعمل قبل سنوات: انتهى عمره، لكنه صامد في رحاب إدارة عامة حكومية يُقال إنها حزمت أمرها مع الفساد وقررت مواجهته. لكن هيهات! هنيهات قليلة بعد الجية يغمر سيارتك دخان نفايات تحترق على جانب الطريق.
نقترب من جسر الأولي عند مدخل صيدا، فيفاجئنا الضباب، ونضطر إلى تخفيف السرعة وسط دخان يتصاعد من مكب مشتعل بمحاذاة الطريق مباشرة، وغير بعيد من الشاطئ، قبل نحو خمسمئة متر من ملعب صيدا البلدي. ومن صيدا إلى صور تتتابع المشاهد عينها: مكبات "ع مد البصر"، بعضها خامد وبعضها ينفث الدخان، ويمكن لأي عابر من بيروت إلى الجنوب أن يرسم خريطة لروائح المكبات.

نفايات العباسية  
قرابة الثانية عشرة من منتصف الليل ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بفضيحة من العيار الثقيل، أنستنا معاناة المشوار النهاري: شبان من بلدة بلدة طير دبا (قضاء صور) بادروا إلى قطع الطريق الرئيسية، بعد اكتشافهم في مكب نفايات العباسية على تخوم بلدتهم، أكياس نايلون سوداء كبيرة لتمويه ما بداخلها وإخفائه من أكياس صفراء تبين أنها تحتوي نفايات طبية: بقايا مواد عضوية بشرية، أمصال، خرق من مخلفات العمليات الجراحية، أنابيب مخبرية وغيرها.

المشكلة هذه ليست بجديدة، بل متكررة. كان التفتيش المركزي قد أحال قبل أسبوعين ملف مطمر بلدة العباسية إلى النيابة العامة التمييزية بعد الكشف الميداني الذي أجرته المفتشية العامة الصحية والاجتماعية والزراعية. وبعد متابعة ناشطين في بلدة طير دبا مشكلة المطمر، اعترضوا على المكبات العشوائية عند مدخل بلدتهم.

صدر تقرير مفصل بالوقائع والنتائج والمسؤوليات، ورُفع إلى رئاسة التفتيش المركزي: نفايات طبية خطرة في المطمر. أحال رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية ملف هذا المطمر إلى النيابة العامة التمييزية لملاحقة المسؤولين عن هذه الأفعال الجرمية. كما توجه برسائل ومقترحات إلى وزارة الصحة ووزارة البيئة ومحافظة الجنوب وبلدية العباسية، لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة، كلٌ ضمن نطاق صلاحياته لإزالة الضرر.

تكرر الأمر على نحو فاضح وصادم. وواكبت "المدن" بعض وقائع الكارثة مع بعض الجهات المعنية، علما أن تحقيقاً ما يزال مستمرا، واستدعي كل من له صلة بالأمر لأخذ إفادته.

الأهالي والبلدية
في هذا السياق قال رئيس بلدية العباسية علي عز الدين لـ "المدن": "اكتشف متعهد المطمر الأكياس. ويبدو أن بعض المراكز الطبية ترمي نفاياتها مع النفايات المنزلية. تواصل مع قوى الأمن الداخلي وطبيب القضاء وإبلغهم بالأمر. فُرزت النفايات وأرسلت إلى معمل النفايات الطبية في العباسية، وهو الأول في الجنوب، ويعالج ما بين 700 وألف كيلوغرام يومياً من هذه النفايات".

متعهد المطمر عصام دخل الله قال لـ"المدن": "لقد اكتشفت الأكياس وقمت بالإدعاء لدى المدعي العام رهيف رمضان، وأرسلت له الصور والفيديوهات، وكذلك إلى قوى الأمن الداخلي - فصيلة العباسية. استدعي المعنيون، وتبين أن هذه النفايات تابعة لمستشفى جبل عامل، وجرى التحقيق مع إدارتها".

الناشط البيئي مصطفى دياب من بلدة طير دبا - وهو من مجموعة شبان دأبوا على مدى السنوات الأربع الماضية على تقديم الدعاوى والشكاوى بحق مكب العباسية - قال: "هناك ثلاثة مكبات في طير دبا، وقد قمنا بالاعتصام لإزالتها. فهي تقع فوق بساتين الليمون والأفوكادو والبطيخ، ولم نعد نشتم إلا رائحة النفايات بدلا من رائحة زهر الليمون. لكن مكبات طير دبا لا تقارن بمكب العباسية الذي يمثل المشكلة الكبرى: أسبوعياً نكتشف فيه النفايات الطبية، ولدينا معلومات عن شاحنتين محملتين نفايات طبية تفرغان حمولتهما أسبوعيا في المكب".

وأشار إلى أن ما تحويه أكياس النفايات الطبية الخطرة، "بقايا بشرية، منها ما يشبه الطحال، وخلاص ولادة وغيرها. وهناك بعض النفايات المفرومة"

وقال دياب: "منذ أربع سنوات لم نترك بابا إلا وطرقناه، وتقدمنا بعدد من الشكاوى والدعاوى. لكن أحداً لم يتجاوب من بلدية العباسية". ولفت إلى أن بلدية طير دبا لا يمكنها فعل أي شيء لأن المكب ليس ضمن عقاراتها.

وتساءل دياب: "طالما لدى بلدية العباسية معمل لمعالجة النفايات الطبية، فلماذا تهرب النفايات الطبية إلى المطمر؟". وختم: "المسؤولية ضائعة، ولكن لا بد من كشف الفاعل ومحاسبته، خصوصا أنه على الرغم من المتابعة القانونية لا يزال يستقبل خفية المزيد من النفايات الطبية".

انور ضو - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى