حتى نهاية العهد

حتى نهاية العهد
حتى نهاية العهد

ولد هذا العهد من رحم التعطيل والتضليل. انتخاب الرئيس ميشال عون أتى في تسوية 2016 القائمة على اختلال فادح في الموازين السياسية. أو لنقل أنها "تسوية" منبثقة من غلبة لا من تعادل ولا من توازن.

حدث حجز قهري لـ"النظام". تحالف العنف المسلح لحزب الله مع التعبئة الطائفية للتيار العوني، أفضى إلى كسر آلية إنتاج السلطة. وإزاء خطر التحول إلى دولة فاشلة وموقوفة، كان لا بد من الرضوخ: "إما عون رئيساً أو لا رئاسة". لذا، لا معنى لتلك التسوية المشؤومة إلا بوصفها تجنباً للشر، وقاية من حرب أهلية، وتحريراً للدولة من الأسر.

أتى العهد أيضاً كثأر من التاريخ. كل ما حدث ما بين 1988 و2016 هو زمن للإغفال والإنكار.. ومن المستحسن رميه "في مزبلة التاريخ". والعصبية العونية تقف أصلاً وفصلاً عند فكرة أبعد، هي الارتكاس إلى "الجمهورية الأولى" بنسختها المتخيلة والتهويمية، بل وفي جذرها العميق هي نكوص إلى ما قبل 1943.

تفكيك "الطائف" مهمة مقدسة للعونية تحت راية "استعادة الحقوق" أي الامتيازات المارونية، بقدر ما هي غاية حزب الله غير المعلنة والذي ينفذ عملياً بنود "المؤتمر التأسيسي" من دون حاجة لانعقاده. وما بين الحلم العوني والطموح الحزبلاهي بدأ تمزيق "الطائف" دستوراً وروحاً، ما يعني عملياً إعطاب الجمهورية، ليس فقط في أصول إدارة الدولة وتوزع السلطات والصلاحيات، لكن أيضاً في علاقات الجماعات اللبنانية في ما بينها. وهذا ما يفتح صندوق باندورا الطوائف وكوابيسها.

وترتب على هذا أيضاً انزياح لبنان عن ركائز توازنه السياسي والثقافي، مبتعداً عن صلته العضوية بالعالم الحر وانتمائه إلى العالم العربي، أي عن أساس الميثاق وشروط الاستقلال وعن توازنه التاريخي. فالتضليل العوني لما يسمى "استعادة الحقوق" وتحصيل أسباب القوة للمسيحيين، هو في حقيقته يتم بثمن إلحاق لبنان واستتباعه لمحور الكوارث الإقليمية والحروب الأبدية. محور مشروعه سلخ الجماعات عن رابطتها الوطنية وتسليطها على دولها بالعنف والسلاح، بما يؤول في نهاية المطاف إلى خسارة المسيحيين قبل غيرهم للكيان العزيز على قلوبهم.

لبنان اليوم، في خطابه الرسمي وفي لغة "العهد"، مغترب تماماً عن تلك الركائز (العالم الحر، العالم العربي)، وملتحق بحلف "المارقين" (النظام الإيراني والنظام الأسدي). وليست الأزمة الاقتصادية سوى ترجمة مباشرة لهذا الاغتراب، طالما أننا نخسر شيئاً فشيئاً الروابط والثقة والشروط القانونية (العقوبات) التي تنسبنا إلى الاقتصاد الرأسمالي، وتجعلنا نتشابه مع حال إيران وسوريا وكوريا الشمالية وفنزويلا..إلخ. وليس الفساد هنا إلا مظهراً ونتيجة لعطب الدولة من جهة، وسريان "المروق" كنظام اقتصادي مواز وغالب.

هناك أيضاً الأثر الخاص للعونية، المتناسلة من إيمان عسكريتاري بالقائد المخلّص. لقد حاول إميل لحود تقمص هذا الدور ولعبه بفظاظة هائلة، ما أدى حينها إلى الحال عينها التي نعيشها اليوم: اغتيال السياسة وتسليط الأجهزة الأمنية والتلاعب بالقضاء وتخريب الاقتصاد وإعطاب الدولة.

في عهد إميل لحود توطدت السلطة على استمرار إبعاد أمين الجميّل، نفي ميشال عون، سجن سمير جعجع، قهر رفيق الحريري، قمع المجتمع المدني، الالتحاق بالنظام السوري، التحالف مع حزب الله.

عهد الرئيس ميشال عون يذهب في وجهة شبيهة: إضعاف نبيه بري، محاصرة وليد جنبلاط، عزل سمير جعجع، قهر ، قمع المجتمع المدني، التطبيع مع النظام السوري، التحالف مع حزب الله.. وبهذا المعنى، ليست العونية ثأراً من التاريخ المرذول بل تكرار مأسوي له. نعرف مآلاته البائسة سلفاً.

يوسف بزي - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى