يُحسِن رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه السياسي الاختباء خلف أصابعهم في ما يرتبط بالعلاقة مع سوريا.
سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال لا تزال شعار المرحلة و"الأريح" لهم في ملفات النازحين والحدود وفتح المعابر... مكابرةٌ في السياسةِ، وعلى الارض الوقائع تفرض نفسها لناحية الرابط "المُفعَّل" دبلوماسسيًّا بحُكمِ التمثيل الدبلوماسي الذي وافقت عليه حكومة سعد الحريري صيف 2017 بانتداب سعد زخيا سفيرًا للبنان لدى دمشق، والتنسيق الأمني (بكلّ أنواعه) الذي لم يتوقَّف يومًا بين البلدَيْن، وزيارات وزراءٍ ونوابٍ الى العاصمة السورية وتوقيع اتفاقيّات رسمية، ولقاء الـ "مان تو مان" بين الوزيرين جبران باسيل ووليد المعلم في نيويورك قبل عامين...
وقد لا يكون سرًّا، القول، بأنّ المبادرة الروسية في شأن النازحين لم ترَ النور لأنّ "البرستيج" الحكومي الرسمي لم يقبل بحصولِ تنسيقٍ مع دمشق طالبت به موسكو منذ البداية!
حالة "الانفصام" التي يعيشها الفريق "السيادي"، تنسَحِب على ملف إعادة إعمار سوريا. ولذلك، لن تكون مواقف الحريري وفريقه في كلّ ما يتعلّق بالحماسة حيال المشاركة البديهيّة للبنان بإعادة الإعمار سوى تكمِلة للمكابرة نفسها، فيما توصف بـ "المزحِ الثقيلِ" من المحوَرِ الداعم لسوريا.
هكذا يدير "الحريريّون" الظهر لدمشق مع السعي الحثيث في الوقت نفسه للاستفادة من "خيرات مشاريعها وملياراتها" بعد انتهاء حربها المُدِّمرة.
سبقَ لوزيرة الداخلية ريا الحسن، الرئيسة السّابقة لمجلس إدارة الهيئة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، أن اعترفت، بأنّ الصينيين اكتشفوا قبلنا دور مرفأ طرابلس في إعادة إعمار سوريا.
بالتزامن، شهدَ "الحريريّون" على زيارات فاقت التوقعات لوفودٍ صينيّةٍ استكشفت وأجرت مسحًا وناقشت مع رجالِ اعمالٍ لبنانيين في سبلِ الاستفادةِ من الميناء الاستراتيجي في المرحلة المقبلة وإمكانات توظيفِ ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم في توفير ما يلزم من مال وشركات وضغط دبلوماسي، واستتبعت بوصول باخرة الحاويات الضخمة الصينيّة (مملوكة من الدولة الفرنسية) الى مرفأ طرابلس في آب 2018، والتي لم يكن مُمْكنًا التعاطي معها سواء من كبارِ رجال الأعمال أو فريق الحريري سوى كونها التمهيد الاولي لتدشين أكبر ورشة في تاريخ لبنان على خط سوريا!
وفيما تبدو قناعة الرئيس الحريري السياسيّة والشخصيّة، مستوحاة بشكلٍ أساسيٍّ من الرغبة السعودية في الابقاء على الفيتو اللبنانيّ الرسميّ مرفوعًا بوجهِ سوريا، فإنّ حسابات الارض تبدو أكثر براغماتية وبعيدة من "سوريالية" موقف رئيس الحكومة.
التأهيل التدريجي لمرفأ طرابلس، وتحضير "المنطقة الاقتصادية" وإقرار قانون الشراكة بين القطاعَيْن العام والخاص، وتهافت رجال اعمال خصوصًا من شرق آسيا الى بيروت ودمشق، والقرار اللبناني وإن "بالمفرّق" لنيل حصةٍ من مشروعِ إعادة إعمار سوريا الذي لا رقم دقيقًا حتى اليوم لكلفته الحقيقيّة، والرهان على ما سيؤمِّنه "مؤتمر سيدر" من محفِّزات وبنى تحتيّة في مجال إعادة الاعمار لا يُقارَن بشيءٍ أمام حماسة من يدور في فلكِ فريق الحريري من اصحاب رجال الاعمال في مدِّ اليدِّ الى "الكعكة" السوريّة الدسمة.
يحصل ذلك من دون التفاتٍ حتى الى ما سبق أن أعلنه الرئيس السوري بشار الاسد، بأنّه "لن يسمح للدول الأوروبية بالمشاركة في عملية الإعمار"، بالرغم من التكلفة العالية للعملية والتي قدَّرها بـ 400 مليار دولار، مؤكدًا، "الحصول على القروض من أصدقائنا"، قاصدًا روسيا وايران، ومن السوريين الذين يعيشون في الخارج وفي الداخل، وكذلك من أموال الحكومة. لا مكان للاوروبيين فكيف لمَنْ جاهرَ بالعداء لسوريا طوال سنوات الازمة من داخل لبنان؟!
هذا الفريق تحديدًا، لا يقيم اعتبارًا للخلاف السياسي والاستراتيجي مع نظام الأسد، ولا يقيس بقاء بشار الاسد أو فوزه في الانتخابات الرئاسية العام المقبل سوى من بابِ تأثيراته على مشاريعِ إعادة الاعمار. ولذلك، فإنّ القنوات بين رجالات الحريري المحسوبين عليه ماليًّا واقتصاديًّا مفتوحة في الداخل مع من يشاركهم خطط كسب المليارات وبعضهم من المحسوبين مباشرة على النظام السوري، كما على رجال أعمال سوريين.
وفي هذا السّياق، تفيد المعلومات، عن إجتماعين عُقِدا مؤخرًا بين سامر فوز أحد أبرز رجال أعمال وأثرياء سوريا المُقرَّب من النظام والذي أدرجته الولايات المتحدة مؤخرًا على لائحة العقوبات وأحد أكبر المقاولين المُقرَّبين من الحريري الذي ارتبط اسمه من ضمن مروحةٍ واسعةٍ من "البيزنيس" الخاص به بعقود تبديل لوحات السيارات واستبدال بطاقات الهوية والباسبور والبطاقات البيومترية وبطاقات الهاتف الخلوي وبطاقات رخص السير والسيارات، كما يتردَّد في الصالونات السياسيّة عن أسماءِ شخصيّاتٍ مقرّبة جدًّا من الحريري تسعى عبر شركاتٍ أجنبيّةٍ، أو أطرافٍ محليةٍ مُرضَى عنهم سوريًّا، الدخول على خطِّ الاعمار في سوريا.
ويتمّ ذلك، تحت سقف المبادرات الخاصة وتحت الطاولة تجنّبًا للحساسيّات السياسيّة، مع العلم، أنّ ما أعلنه الحريري من الامارات قبل أيامٍ سبقَ وردَّده حرفيًّا خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017، حين رأى أنّ لبنان يُمكِن أن يكون محطة لاعادة إعمار سوريا، طالبًا في الكواليس من موسكو، الضغط على دمشق لعدم استبعادِ الشركات اللبنانيّة من مشروعِ اعادة الاعمار.
ملاك عقيل - ليبانون ديبايت