قبل السؤال عن إمكان توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية الى هدنة توقف القتال الدائر بينهما في اليمن، لا بد من معرفة اذا كان هذا الانجاز ممكناً في حال استمرت الحرب بالواسطة بينهما في العراق والخليج ولبنان وسوريا و"فلسطين" والعالم الاسلامي. والمعطيات المتوافرة عند المتابعين من عرب وأجانب تشير الى أن طهران تعرف أن هدنة في اليمن هي أقصى الطموح الآن مع الرياض رغم صعوباتها الكثيرة. لكنها تفضّل أن تكون نقطة انطلاق للبحث لاحقاً مع الرياض في قضايا تتعلق بمنطقتهما الجغرافية. وهي كثيرة تبدأ بالأمن ولا تنتهي بالنفط. في حين أن الرياض "المزنوقة" قد تفضل اقتصار البحث على هدنة اليمن الآن لأسباب كثيرة. منها أن ميزان القوى بين الدولتين ليس متكافئاً وخصوصاً من الناحية العسكرية، وأن ذلك ينعكس على الاتفاق الأوسع في الهدنة سواء تعلّق بالخليج أو بالمنطقة، وهذا أمر قد لا تكون مستعدة لتقبّله. ذلك أنها تتكبد خسائر كثيرة جرّاء الحرب معظمها مادي (أموال)، ومعنوي حتى الآن على الأقل، وهي لا تزال قادرة على احتمالهما، كما لا تزال مقتنعة بأن الجهات الدولية الفاعلة الحليفة لها والصديقة لها والأخرى المتعاملة معها مصلحياً لن تسمح بانتصار لإيران سواء كان كبيراً أو صغيراً. إذ من شأنه دفعها الى التمسّك بمشروعها التوسعي في الاقليم بعد النجاحات الكبيرة التي حقّقتها على طريق تنفيذه. ولهذا السبب المتشعّب ستتمسّك المملكة بخيار حصر الهدنة في اليمن اذا قرّرت اعتماده، علماً أنها تعرف أنه يفتح باب الحوار بينهما بالواسطة أولاً ثم مباشرة لاحقاً. ولا يستطيع أحد أن يتكهّن بفشله أو بتوسعه لاحقاً ليشمل قضايا خلافية في ظل صدمتها من مواقف أميركا ترامب التي راهنت عليها، كما في ظل صدمة إيران من الدول العظمى والكبرى كلها بعد عجز معظمها عن الوقوف معها لمواجهة انسحاب أميركا المذكورة من الاتفاق النووي الموقّع معها وأثاره المدمرة لها. علماً أن الانصاف يقتضي الاشارة الى أن صدمة الرياض لا يمكن أن تكون إلا أشدّ من صدمة طهران، لأنها كانت تؤمن بأن تحالفاتها مع الدول الكبرى ثابتة وبأن فيها من العراقة بقدر ما فيها من المصالح. وأثبت لها ترامب وربما عدد ممن سبقه الى البيت الأبيض عكس ذلك. في حين أن طهران لم تتحالف مع أي قوة دولية عظمى أو كبرى إذ كانت صاحبة مشروع طموح جداً هو الحلول مكان هذه القوى في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي، والبعض يقول في العالم كله أو في دول المستضعفين وهي كثيرة جداً في العالم. انطلاقاً من ذلك تمكن الاشارة الى أن إيران لن تمانع في حصر البحث في هدنة اليمن مع السعودية، ذلك أنها ستدخله، إذا فعلت، ومعها "انتصاراتها" في المنطقة والصراع المذهبي الاقليمي الذي يقلّص الى حد كبير أخطار مصاعب شعبها عليها. وهذا أمر يمكن أن تستعمله خلال الحوار لمحاولة ترجيح مطالبها مع فريق يشعر ضمناً أن تكافؤه معها غير مضمون أو ثابت.
كيف ستنعكس هدنة اليمن على لبنان إذا تم التوصل اليها؟
في ظل الواقع المشروح أعلاه يتوقع كثيرون أن يرصّ المحور اللبناني المؤيّد لإيران صفوفه و أن يستمر في محاولة تطبيق "أجندته" أو برنامجه. ويتوقّعون أن تحاول المملكة دفع حلفائها اللبنانيين المشرذمين الى استعادة شيء من وحدتهم السابقة، وأن تستمر أميركا في دفعهم الى الشيء نفسه. وبدلاً من أن تنعكس هدنة اليمن العسكرية هدنة سياسية في لبنان، فإن انعكاسها قد يكون زيادة عدم الاستقرار الراهن سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ونقدياً وشعبياً وربما أمنياً. ذلك أن إيران لن تقبل أن تتسبّب راحة السعودية في اليمن بخسارتها هي في لبنان أو بالأحرى ببدء خسارتها فيه، وخصوصاً إذا لاحظت أن غريمتها الخليجية بدأت "تفك دكّتها" كما يقول اللبنانيون، وتقدّم لهم مساعدات متنوعة مالية واعلامية تساعدهم في تجاوز أخطار "الانهيار" الشامل للبنان الذي يخشاه البعض. ولا يعني طبعاً ذلك أن ايران ستفتعل المشكلات وتؤزمها بواسطة حلفائها. فهي ليست في حاجة الى ذلك لأنها موجودة على الساحة. كل ما يلزم هو التأجيج وهو نزول الناس الى الشارع من كل المشارب والطوائف والمذاهب وحصول احتكاكات بينهم وتناولهم الرئاسات الثلاث، الأمر الذي يؤجج الطائفية والمذهبية الوالعتين أصلاً. وعندها لن يستبعد أحد استعادة رئيس الدولة تجربة قصر الشعب في عام 1989. ولن يستبعد أحد استعادة التضامن مع رئاسة الحكومة في وجه حصار مقرها من المؤيّدين لرئاسة مجلس النواب و"حزب الله". وفي أجواء كهذه هل يمكن تلافي الانفجار؟ ذلك صعب جداً. لكن مصالح الاضداد في المنطقة والعالم الممثليْن في لبنان مباشرة وبالواسطة، مثل السعودية – إيران – روسيا – أميركا – أوروبا (فرنسا) وغيرها قد تفرض تفاهمها على فرض الاستقرار في البلاد بواسطة الجيش المؤيّد أميركياً بموافقة "حزب الله" وجيشه "المقاوم" الذي تحوّل قوة عسكرية يُحسب لها ألف حساب. ولن يُعدم هؤلاء حججاً لتبرير أمر كهذا. فالفساد مستمر ولا إمكان لوقفه ولإلغاء ممارسيه أو إبعادهم على الأقلّ. ومصرف لبنان لم تعد عنده كميات من الدولارات الأميركية كافية للمحافظة على سعر العملة اللبنانية ومتابعة تنفيذ سياساته السابقة. وهناك مصارف تفتقر الى الدولار. وفي هذا المجال لن تمد الدول العربية لبنان بالأموال لأنها تحتاج إليها ولا أميركا. كما لن تساعده المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد الا بشروط قاسية، مثل فرض تنفيذه إجراءات تقيِّد النظام المالي الليبرالي وربما تؤدّي إذا لزم الأمر الى منع التحويل الحر للودائع الى الخارج وربما الى ما هو أقصى من ذلك مثل إلغاء قسم من ودائع الناس في المصارف. والخروج من أزمة كهذه يحتاج من 3 الى 10 سنوات.
سركيس نعوم - النهار