يحاول الرئيس سعد الحريري النجاة من كل المكائد التي تُنصب له وللبنان. يعلم أن هناك أفخاخاً كثيرة تنصب له ولحكومته في الداخل والخارج. الصورة تتضح لديه أكثر فأكثر، من خلال المسار الذي تسلكه الأحداث منذ مدّة، من المعارك السياسية الجانبية والمفتعلة وصولاً إلى التحركات والاحتجاجات الشعبية التي تطالب باستقالة الحكومة. يضاف إلى هذا، حملات متواترة يعتبرها مقربون منه أنها تهدف إلى النيل منه شخصياً ومن سمعته، وما سبقها من مناكفات على الصلاحيات وعلى إدارة الحكومة، في سياق محاولات استضعافه بالاعتماد على اختلال موازين القوى الإقليمية، خصوصاً في سوريا.
سباق مع الزمن
إزاء كل هذا، لطالما جنح الحريري في الردّ على هذه الحملات إما بالصمت، أو بالإعلان أنه منصرف عن الانقسامات السياسية غير المجدية ومهموم بالاقتصاد وحسب. وتلك هي الجملة المفتاحية في خطابه، التي يلجأ إليها عملياً للخروج من الصراعات السياسية "العقيمة". ويبدو أنه رسم وخطط للقيام بجولات إقليمية ودولية (ليست على طريقة رؤساء بعض الأحزاب والتيارات) في مسعى حيوي وربما مصيري، أي الحصول على مساعدات اقتصادية ومالية وتحفيز عالم الاستثمارات للعودة إلى لبنان. كانت الانطلاقة الواضحة في باريس (راعية "سيدر"). واليوم تبدأ من الإمارات العربية المتحدة جولة على دول عدة أرادها الحريري "اقتصادية"، بينها المملكة العربية السعودية وألمانيا، وغيرهما. ففي هذه اللحظة، يتحرك الحريري في سباق مع الزمن، بين الحصول على المساعدات أو الذهاب إلى الانهيار.
مقابل حراك الحريري (وخلفه) يدور تنافس محموم، أو معركة صامتة على مصير الحكومة. خصوصاً في ظل معلومات تتحدث عن رهانات متعددة لإسقاط الحكومة، جراء الأزمة الاقتصادية، في سيناريو مشابه للعام 1992. الأمر الذي يتحسب له الحريري جيداً، ولا يردّ عليه، إلا عبر إكمال مساعيه، مراهناً على الحوارات التي قد تنطلق بين الأميركيين والإيرانيين من جهة، والإيرانيين والسعوديين من جهة أخرى. في هذه الحالة، سيكون الحريري في موقع أقوى، كحاجة إقليمية ودولية. لكنه أيضاً لا يسقط من حساباته رغبات قوى أو شخصيات عديدة، تراهن على بعض المتغيرات الإقليمية لإسقاطه. إذ تعتقد هذه الجهات أن الحريري يمثل حاجة إقليمية ودولية ومحلية، فقط بظل ربط النزاعات لا في ظل الحوارات والاتفاقات. وتراهن على أن تنتج التسويات المقبلة قواعد جديدة للعبة. فيستفيدون منها للحلول مكان الحريري. هذه الطموحات تلاقي أصداءها بعض التحركات التي تشهدها الساحة السنية، سياسياً وشعبياً أيضاً، على مثال ما جرى مؤخراً في مدينة طرابلس. وثمة قراءات لدى بعض القوى المعارضة للحريري، تقول أن أي حوار سعودي إيراني قد يؤدي إلى إخراجه من رئاسة الحكومة.. ولا بد من تحضير أنفسهم كبدلاء له.
الاستقرار السياسي والحدود
يتزامن هذا الحراك المحموم والحملات مع أجواء دولية ضاغطة على لبنان وبالأخص في موضوع مؤتمر سيدر، وسط أجواء تفيد أن هناك قوى لبنانية لا تريد لمؤتمر سيدر أن ينجح. ولذلك، لم يتم إنجاز الإصلاحات حتى الآن. بينما تفيد وجهات نظر أخرى أن مؤتمر سيدر مرتبط بالتطورات السياسية بالإقليم وبالمنطقة، ولا يمكن للبنان الحصول على هذه المساعدات قبل إيجاد حلّ لترسيم الحدود، والتنقيب عن النفط، وإنجاز الإصلاحات. كما لا يمكن الحصول على المساعدات طالما أن العقوبات الأميركية على حزب الله مستمرة بهذا التشدد.
مساعدات سيدر وترسيم الحدود، وغيرها من المؤتمرات التي يهدف الحريري من خلالها إلى تعزيز وضع لبنان وإنقاذ اقتصاده، ستكون مرتبطة حتماً بالاستقرار السياسي والعسكري، الذي يعتبره الأميركيون والمجتمع الدولي غير متوفر حالياً، ولن يتحقق قبل إتمام اتفاق جدّي وبعيد المدى عند الحدود الجنوبية كما عند الحدود الشرقية الشمالية. ما يعني أن ذلك سيكون مرتبطاً بجولة جديدة من مفاوضات ترسيم الحدود، خصوصاً أن لبنان يتحضر لزيارة جديدة للمبعوث الأميركي ديفيد شينكر، قبل منتصف الشهر.
لبنان اليوم جزء من أزمة المنطقة كلها. أي تقدّم في الحوار الأميركي الإيراني، أو الإيراني السعودي، سيؤدي إلى إراحة الأجواء فيه. وأي تصعيد سينعكس عليه. ومعروف أن ملف ترسيم الحدود الجنوبية والتنقيب عن النفط، يرتبط حصراً بالحوار الأميركي الإيراني. خصوصاً، أن طهران لا تريد تقديم أي ورقة حالياً قد يستفيد منها ترامب انتخابياً، إلا بحال رفع العقوبات. وهنا، تؤكد المعلومات أن ملف النفط في لبنان وترسيم الحدود يرتبط بكل ملفات المنطقة، وبالإصلاحات وبمؤتمر سيدر. وهذا يعني أن الجميع، ينظر إلى المرحلة على أنها مرحلة تحضير الأوراق بانتظار الصفقة الكبرى المؤجلة إلى أمد غير معروف.
منير الربيع - المدن