"طوارئ اقتصادية" تفتقر إلى إيجابيات صادمة

"طوارئ اقتصادية" تفتقر إلى إيجابيات صادمة
"طوارئ اقتصادية" تفتقر إلى إيجابيات صادمة

كان واضحا ان لقاء بعبدا الاقتصادي تبنى على نحو غير قابل للالتباس الدعوة التي وجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى اعلان حال طوارئ اقتصادية في البلاد. وفهم كثر كلام بري في اطار الاولوية القصوى التي يجب ان تعطى لمعالجة وضع اقتصادي ومالي ينزلق بسرعة الى خطورة كبيرة خصوصا ان المرحلة السابقة شهدت خلافات سياسية عطلت اجتماع مجلس الوزراء على خلفية التصعيد في حادث الجبل قبل ان تأتي الاحداث المتعلقة بالاعتداء الاسرائيلي والتصعيد الذي لحقه. وكلمة الطوارئ تلتصق في الواقع في الاذهان او تترافق مع اوضاع معينة من بينها الاستعجال بنقل مريض الى قسم الطوارئ في المستشفى من اجل استدراك تدهور حاله الصحية او ايضا بوضع يفترض اعلان حال طوارئ في البلاد ما يستدعي صلاحيات استثنائية للسلطة واجراءات استثنائية ترافقها او ايضا التحوط الاحترازي لوضع خطير كما في حال توقع اعصار او كارثة او اي شيء من هذا القبيل. واذا تم التسليم جدلا بالحال الاولى اي الهرع بالمريض الى المستشفى فان الامر لا يعطي صورة صادقة كون لبنان المريض لا يجد علاجا على ايدي المسؤولين وفق ما يفترض. فيما ان تجاوز الحكومة من خلال اعلان حال طوارئ اقتصادية بدأ يرخي بذيوله على الواقع السياسي من باب اظهار الحكومة مكانا غير مناسب ان لاتخاذ القرارات في شأن اعتداء اسرائيلي على السيادة اللبنانية فيتم الاكتفاء بمجلس الدفاع الاعلى او ان خلافات الافرقاء السياسيين يمكن ضبطها في اجتماع بعبدا تحت شعار حال طوارئ اقتصادية اكثر مما يمكن ضبطها من ضمن الحكومة. واعلان حال طوارئ اقتصادية في اجتماع بعبدا امر مفهوم ربما من اجل اظهار طابع الالحاح في المعالجة في ظل رغبة في توجيه رسالة جدية الى الداخل والخارج عن وجود ارادة عميقة في ايجاد سبل لانقاذ الوضع الاقتصادي لكنه يعطي انطباعا عن وضع انهياري لا يمكن انكاره بدليل اعلان حال ال طوارئ الخطيرة في الوقت الذي لم تكن القرارات التي اتخذت في مستوى احداث صدمة ايجابية موازية لما تتطلبه حال ال طوارئ. فعدد من الخبراء الاقتصاديين الذين ساهموا في وضع ورقة " مقترحات اجراءات اصلاحية اولية لمواجهة الازمة" لم يخفوا تمنياتهم بان يتم وضع ما اعلن موضع التنفيذ تحت طائل الذهاب الى وضع لن يحسد عليه لبنان. ومع ان غالبية البنود التي تمت مناقشتها كمرض يعاني منه لبنان معروفة ومحددة كما ان سبل المعالجة محددة فان الثغرة الاساسية هي في يد السياسيين الذين وعلى رغم التحذيرات منذ ثلاث سنوات واكثر مما يتجه اليه البلد لم يعلنوا عن اجراء تقشفي اساسي واحد سيعتمدونه على اي صعيد او مستوى بل يمارسون سياستهم على جاري العادة كما لو ان لا ازمة اقتصادية في البلد ولا التوقعات المستقبلية خطيرة وهو امر يبقي على حال عدم الثقة قائما من الخارج كما من الداخل. فلماذا لا يزال الكلام بعد اجتماع بعبدا على مقترحات بدلا من الكلام على اجراءات بدأ تنفيذها فعلا؟ وهل اظهر الاجتماع وجهات نظر متقاربة من الحلول المرتقبة في الوقت الذي لم يخف غالبية الافرقاء مواقف غير متوافقة؟ ولماذا لا يزال المسؤولون يتحدثون عن مشكلة الكهرباء وضرورة معالجتها على رغم وجود خطة لا يظهر احد من المسؤولين ايمانا بنجاعتها او باحتمال وصول الكهرباء في المستقبل الى اللبنانيين؟

يقول معنيون ان اجتماع بعبدا كان لوضع الطبقة السياسية بأسرها امام مسؤولياتها بحيث لا يمكن اي فريق التنصل من معرفة ما يذهب اليه البلد وما هي تداعياته في حال لم تتخذ الاجراءات المطلوبة علما ان الجميع يتحدثون عن ازمة وعن حلول انما كل يرمي المسؤولية في ملعب الاخرين وكشف كل فريق انه عرض وجهة نظره. لكن الاجتماع فتح المجال ايضا امام واقع ان هؤلاء المسؤولين انفسهم هم من اوصل البلد الى هذه الحال فيما كل الاقتراحات معروفة ويحتاج البلد الى الاتفاق والقرار السياسي على بدء التنفيذ الفوري والسريع كالاعلان عن الطلب من الجيش اللبناني اقفال معابر التهريب غير الشرعي وتكليف الاجهزة المختصة وقف التهريب الجمركي او التهرب الضريبي. هناك من اعتبر ايضا ان اعلان حال ال طوارئ الاقتصادية امر يتعلق بالسياسيين لم يكن الخبراء الاقتصاديون ليلجأوا اليه من دون ان يستبعدوا مثلا تأليف او تشكيل هيئة طوارئ اقتصادية لمتابعة عملية المعالجة. اذ فيما يتم التطلع الى خطوات تشكل صدمات ايجابية بسرعة وتستعيد الثقة فان انجاز موازنة 2020 مثلا بعجز حقيقي وواقعي لا يتخطى 6.30 في المئة او معالجة موضوع الكهرباء خلال ستة اشهر ايضا هي من الوعود التي لم يعد يقبضها اللبنانيون. وهذا فضلا عن ان اعلان حال طوارئ اقتصادية جعل البعض يخشى تلك الاجراءات التي اخذتها الارجنتين مثلا في اليوم نفسه لوقف تداعيات الازمة الاقتصادية التي تشهدها منذ منتصف الشهر الماضي. وهي اجراءات مخيفة ومقلقة بالنسبة الى اللبنانيين على رغم الطمأنة المستمرة من حاكم المصرف المركزي رياض سلامه والذي تحدث عن ارتفاع احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية بـ1,4 مليار دولار في النصف الثاني من شهر آب المنصرم بحيث يدحض المخاوف من سيناريو مماثل لسيناريو الارجنتين على الاقل كما يدحض ضرورة الاعلان عن حال طوارئ اقتصادية يجب ان يشعر بها المسؤولون وحدهم في الدرجة الاولى ويعملون بهديها وليس اخافة الشعب اللبناني بها مثلا. اما عن اي صدمة ايجابية سياسية محتملة فان ما حصل في الاسبوع المنصرم اطاح أي امكان لنجاح اي محاولة اصلا في ما لو طرأت.

روزانا بومنصف - النهار

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى خسائر فادحة في قطاع الاتصالات