البنود الضريبية في ورقة بعبدا: تخريف اقتصادي وخزعبلات

البنود الضريبية في ورقة بعبدا: تخريف اقتصادي وخزعبلات
البنود الضريبية في ورقة بعبدا: تخريف اقتصادي وخزعبلات

لم يكن اجتماع بعبدا يوم الإثنين 2 أيلول، سوى نموذج صارخ على الفوضوية التي تدار بها البلاد، وعلى الاستهتار في مقاربة ملف الإصلاح. أما البنود الضريبية التي خلص إليها المجتمعون ضمن ما يسمونه "ورقة اقتصادية مالية لمقاربة الأزمة التي يمر بها لبنان"، فخير دليل على العشوائية.

البنود الضريبية
تؤشّر البنود الضريبية التي تختزنها ورقة بعبدا إلى أن أزمة إضافية آتية، وصرخات متتالية سيطلقها المواطنون، وخصوصاً منهم موظفي القطاع العام. فضلاً عن الهروب الإضافي للمستثمرين.
فقد تضمنت ورقة بعبدا بنوداً ضريبية هي: اعتماد ثلاثة معدلات للضريبة على القيمة المضافة VAT كما يلي: صفر بالمئة على السلع المعفاة حالياً. 11 بالمئة على السلع غير المعفاة والمعتبرة من غير الكماليات. 15 بالمئة على السلع المعتبرة من الكماليات، على أن تحدد هذه السلع الكمالية لاحقاً، مع إمكانية زيادة النسبة بعد ثلاث سنوات.

أيضاً، زيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 10 بالمئة إلى 11 بالمئة، وجعلها دائمة. إعادة النظر بالنظام الضريبي عموماً ليصبح أكثر كفاءة ومساواة، بدءاً من إقرار الضريبة الموحدة التصاعدية على الدخل. فرض ضرائب أرباح مرتفعة على الامتيازات والأنشطة المضرة بالبيئة وعلى الاحتكارات، ومراجعة كل الإعفاءات الضريبية، وإعادة ربطها بأهداف دعم الإنتاج والعمل والابتكار والمساواة وحماية البيئة والصحة العامة وغيرها. استكمال العمل على لجم التهرب الضريبي ومواصلة خطة مكافحة التهريب، وتوحيد قواعد المعلومات والبيانات، بين وزارة المالية والضمان الاجتماعي، وإمكانية الولوج المتبادلة بينهما. إعادة النظر بتخمين الأملاك العمومية البحرية، واتخاذ الاجراءات القانونية لتحصيل أموالها، إضافة الى إخضاع هذه الأملاك للضريبة على الأملاك المبنية.

بالإضافة إلى زيادة الحسومات التقاعدية من 6 بالمئة إلى 7 بالمئة للعاملين في القطاع العام. وزيادة الرسوم على السجائر بمعدل 500 ليرة لبنانية، لعلبة السجائر من الإنتاج الوطني، و1000 ليرة لبنانية، لعلبة الدخان المستورد.

ثقافة الريع
تفاخر السلطة السياسية بنظامها الريعي ولا تعترف بترنّح هذا النظام، بل تصر على المضي به وترقيع أزماته واحدة تلو الأخرى. ووفق هذه الآلية، تسير السلطة على نهج سياسة حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، القائمة على اختزال الاقتصاد بالفوائد المرتفعة وثبات سعر صرف الليرة.

سياسات السلطة عبارة عن "طريقة تفكير تعود الى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي"، وفق ما يراه الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، الذي يعتبر أن البنود الضريبية في ورقة بعبدا "تخريف اقتصادي". وفي حديث لـ"المدن"، أشار يشوعي الى أن الكلام عن كماليات وأساسيات عند فرض الضريبة على القيمة المضافة لم يعد مفيداً، لأنه "في عالم الإستهلاك لم يعد هناك أساسيات وكماليات، فاليوم هناك كماليات أصبحت أولويات، إلا إن أردنا تحديد ما تستهلكه هذه الفئة الاجتماعية أو تلك، وهذا هو التخريف".

وإذا كانت السلطة تبحث عن تحسين الأوضاع الإقتصادية عبر الضريبة على القيمة المضافة، فعليها "في ظل الإنكماش الإقتصادي، أن تحافظ على معدلات الضريبة المنخفضة، كأن تكون الضريبة على القيمة المضافة 7 بالمئة مثلاً، لأن زيادة الضرائب لها أثر سلبي على النمو الاقتصادي". 

أما زيادة الضريبة على دخل الفوائد، فهو إجراء "بلا معنى". إذ أن مستويات الفوائد المصرفية، وفق يشوعي "مرتبطة بمدى توافقها مع حاجة الاقتصاد للإستثمار". وانطلاقاً من ورقة بعبدا فإن السلطة تؤكد أنها "تريد الحياة لمن يحمل الأموال النقدية والموت للمستثمرين والشباب العاطلين عن العمل. فلا معنى لرفع الفوائد ثم رفع الضريبة عليها".

واللافت بالنسبة إلى يشوعي، هو الإصرار على ضرب متقاعدي القطاع العام عبر بند زيادة الحسومات التقاعدية، فذلك "يخالف فلسفة الضريبة التي تستند إلى ضرورة تأمين العدالة الاجتماعية بالتوازي مع تحصيل الضريبة وزيادة الواردات". فالضريبة على المعاشات التقاعدية تحت ستار المحسومات التقاعدية يؤدي إلى "تآكل الراتب التقاعدي المحدود للموظف مع الوقت، بسبب عدم تصحيح الرواتب وفق تصحيح مؤشر التضخم".

معجزات غب الطلب
المضحك أن ما تجترحه القيادات السياسية من خزعبلات اقتصادية تحت مسمى خطط إنقاذية، يتم تسويقه مع مهل زمنية محددة لإنتشال لبنان من أزمته. فقد أكد رئيس الجمهورية ميشال عون أمام زواره في قصر بعبدا يوم الثلاثاء 3 آب، أن "الاقتراحات التي أقرت لبدء مسيرة النهوض الاقتصادي يجب أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ، خصوصاً أن المهلة قصيرة ولا تتعدى الستة أشهر، ليثبت لبنان قدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الراهنة، ما يعيد الثقة وينعش الحياة الاقتصادية من جديد".

إذن، أمام السلطة ستة أشهر لتنتشل البلاد من أزمتها وتحسن الاقتصاد وتنعش مالية الدولة. هو تفاؤل قوي يحمله رئيس البلاد، مستنداً إلى بنود يراها هو وقيادات أحزاب السلطة، خشبة الخلاص! ستة أشهر ستكون كافية لإحداث فارق ملموس. كيف لا، وبنود الورقة الاقتصادية أتت كعصارة لأفكار اقتصاديين مخضرمين أنهوا موازنة العام 2019 ويحضرون لموازنة العام 2020! ولعلّ ما يحدث يستدعي العجب لهذا الترف الفكري والعلمي، فبموازنتين إصلاحيتين وورقة اقتصادية داعمة سينمو الاقتصاد ويزدهر الاستثمار وتنخفض البطالة!!

هذا ما تريد السلطة منّا تصديقه. معجزة فورية تمحو أثر ما يزيد عن 25 عاماً من الفساد والهدر. غير أن متابعة بنود الورقة الاقتصادية، وربطها بالواقع، تدل على أن تنفيذ البنود سيراكم المزيد من التداعيات السلبية على الاقتصاد.

خضر حسان - المدن

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى خسائر فادحة في قطاع الاتصالات