طعنان "أصابا" موازنة العام 2019 في الساعات الأخيرة، قبل انتهاء مهلة تقديم الطعون. أحدهما تم تقديمه أمام المجلس الدستوري من قبل 11 نائباً، بناء على اقتراح نادي قضاة لبنان. والآخر يتم تقديمه اليوم (الجمعة) بناء على اقتراح "العسكريين المتقاعدين" وبتوقيع 11 نائباً أيضاً. الطعنان منفصلان من حيث المواد والأسباب الموجبة للطعن إلا أنهما يلتقيان على عدم استهداف قانون الموازنة العامة بأكمله، وحصر الطعون بعدد من المواد التي تضمر تطاولاً واضحاً على حقوق العسكريين وصلاحيات القضاة.
ورغم عدم استهداف قانون الموازنة بأكمله، نظراً لأهمية إقراره في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الاقتصاد الوطني، وخضوعه لرقابة المجتمع الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني، قد يتوسع المجلس الدستوري، وفق مصدر قضائي، بالبحث في كافة مواد الموازنة، إذ يتيح له القانون إبطال الموازنة أو بعض موادها حتى وإن لم يشملها أي طعن.
طعن العسكريين
الطعن المقدّم من قبل العسكريين المتقاعدين حاز على توقيع 11 نائباً، إلا أن المفارقة أن غالبية النواب المتقاعدين من المؤسسة العسكرية التحقوا بقرارات كتلهم الحزبية وتمنّعوا عن توقيع الطعن، باستثناء النائبين جان طالوزيان وشامل روكز، اللذين وقعا إلى جانب النواب بولا يعقوبيان، إدي دمرجيان، سامي الجميل، نديم الجميل، الياس حنكش، عبد الرحيم مراد، أسعد حردان، اصطفان دويهي، فؤاد مخزومي.
توقيع النائب شامل روكز الطعنَ في بعض مواد الموازنة لم يمر مرور الكرام على جمهور التيار الوطني الحر، إذ وصفه أحد النافذين في التيار الوطني الحر بـ"طعن بالوطن"، إلا أن المواقف المتحفظة أو الرافضة لقرار روكز بالسير في الطعن لم تغير من اندفاعه أو قناعاته، إذ أكد روكز في حديث إلى "المدن" انتماءه للمؤسسة العسكرية قبل أي انتماء. وقال: أنا إبن المؤسسة العسكرية أولاً، قبل أن أكون نائباً من فريق رئيس الجمهورية. وأنا منسجم مع نفسي لأقصى الحدود بصرف النظر عن ترحيب أو رفض البعض لقراري. فالموازنة تتضمن العديد من المخالفات رغم كل النقاشات والمحاولات في مجلس النواب لإسقاط المواد المخالفة. ولا بد من الطعن بالمواد التي تتطاول على حقوق المتقاعدين من العسكريين وفاء لهم ولتضحياتهم".
مواد الطعن
الطعن الذي سيتقدّم به العسكريون المتقاعدون صباح يوم الجمعة أمام المجلس الدستوري هو طعن جزئي، يتناول سلسلة مواد من موازنة 2019، باعتبارها تمسّ بحقوقهم، وذلك تحت عنوان "عدالة التشريع ودستورية القوانين"، أما المواد المطلوب إسقاطها فهي 23 و47 و48 و82 من قانون موازنة العام 2019.
المادة 23 هي تعديل للمادة 58 من قانون ضريبة الدخل، عبر فرض ضريبة تصاعدية على معاشات التقاعد.
المادة 47 تم تعديلها عبر تعديل الفقرة الرابعة منها، التي تعفي جميع معاشات التقاعد من ضريبة الدخل واستبدالها بفقرة تعفي معاشات تقاعد ورثة شهداء القوى الأمنية والعسكرية فقط.
المادة 48 هي تعديل للمادة 56 من قانون ضريبة الدخل عبر إضافة تنزيل مبلغ 10 ملايين ليرة من أساس الراتب في احتساب ضريبة الدخل للمتقاعدين.
المادة 82 هي فرض اقتطاع شهري على رواتب ومعاشات تقاعد العسكريين لزوم الطبابة والإستشفاء والمساعدات الإجتماعية.
أسباب الإبطال
أما في أسباب الإبطال، فالمواد 23 و47 و82 تتضمن مخالفة لمقدمة الدستور والمبادئ الدستورية العامة والاعلان العالمي لحقوق الانسان. أما المادتين 47 و82 فهي مخالفة لأحكام الفقرة (ج) من مقدمة الدستور والمادة 7 من الدستور "مبدأ العدالة والمساواة"، ولعدم جواز المشترع أن يضعف من الضمانات التي أقرها بموجب قوانين سابقة، لجهة حق أو حرية دون التعويض عنها أو بإحلال ضمانات محلها أقل قوة وفاعلية، ولمخالفة مبدأ ثبات التشريع، ولعدم جواز اقتطاع المزيد من أساس المعاش التقاعدي الموازي لمبدأ الـ 85 في المئة من أساس آخر راتب تقاضاه الأجير، وبسبب الازدواج الضريبي على المطرح الضريبي نفسه، وبسبب الغموض في النص لجهة النسب والإلتباس في تحديد من هم المعفيين من الضريبة.
أما المادة 82 فهي مخالفة لمبدأ عدم جواز الالتباس في تطبيق النص المعتمد بأن الضريبة هي لقاء المساعدات الاجتماعية، ومخالفة لأحكام المادة 83 من الدستور في خرق مبدأي الشيوع والشمول. كذلك المادتين 23 و48 فتبطل بمجرّد إبطال المادة 47 من القانون المطعون به لكونهما متفرعتين عنها.
طعن "مبدئي" لا "سياسي"
المتحدث باسم العسكريين المتقاعدين العميد المتقاعد أندريه أبو معشر شدد في حديث إلى "المدن" على أن الطعن حقوقي وليس سياسياً، وهو طعن يتعلق بالمبادئ والقيم وليس باقتطاع مبالغ مالية محددة، "إذ من غير المسموح التطاول على حقوق العسكريين المتقاعدين كلما قررت الدولة مواجهة عجز الموازنة".
من جهته العميد المتقاعد سامي رمّاح استغرب في حديث إلى "المدن" كيف يمكن للدولة فرض رسم طبابة على العسكريين المتقاعدين في حين أن 187 دولة تنضوي تحت سقف الأمم المتحدة لا تفرض أي منها رسم طبابة على العسكريين، معتبراً أن فرض رسم طبابة وإخضاع المعاشات التقاعدية لضريبة الدخل إجراء غير قانوني "لاسيما أن الإخضاع لضريبة الدخل تتسبب بازدواج ضريبي، فالمعاشات التقاعدية هي ما تبقى من رواتبنا السابقة وتخضع لاقتطاعات خلال الخدمة الفعلية، بمعنى ان كل ما نتقاضاه اليوم هو نتيجة المحسومات التي كانت تحسم من رواتبنا سابقاً وتوضع في صندوق تقاعدنا"، متهماً الدولة بالسطو على حقوق المتقاعدين. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرواتب الفعلية للعسكرين يُحسم منها مبالغ مالية بدل رسم تقاعد.
وإذ شدد العسكريون المتقاعدون على أن الطعن "جزئي"، أكدوا ثقتهم بقرارات المجلس الدستوري وباستفاقة قانونية قضائية تضع حداً لاستباحة القوانين واستسهال مخالفتها.
طعن القضاة
وكان المجلس الدستوري قد تسلّم يوم الأربعاء 14 آب طعناً بقانون موازنة 2019 من قبل نادي قضاة لبنان، موقعاً من 11 نائباً هم: بولا يعقوبيان، جان طالوزيان، ادي دمرجيان، شامل روكز، سامي الجميّل، نديم الجميّل، الياس حنكش، أسامة سعد، فؤاد مخزومي، جميل السيد، عدنان طرابلسي.
ركّز طعن القضاة على عدم دستورية الموازنة، لاسيما لجهة تضمينها عدداً من المواد تُعد من فرسان الموازنة، ومنها مواد تنتقص من حقوق السلطة القضائية بما يخالف ما نص عليه الدستور وتتطاول على صلاحياتها.
وعلّق مصدر قضائي في حديث إلى "المدن" أن خلفية طعن القضاة ببعض مواد موازنة العام 2019 هو استقلالية السلطة القضائية. إذ من غير القانوني ولا المنطقي أن تتضمن الموازنة العامة مواد لا تمت إلى مبدأ الإيرادات أو النفقات بأي صلة، بل تتدخل في صلاحيات السلطة القضائية وتخرق مبدأ استقلاليتها، لافتاً إلى أن المجلس الدستوري لديه الصلاحيات التامة للتطرق إلى كل المواد الواردة في الموازنة والمخالفة للدستور، حتى وإن لم يشملها أي من الطعنين بما فيها قطع الحساب الذي يوقف الموازنة برمتها.
عزة الحاج حسن - المدن