لا مجال للمقارنة بين هولندا ولبنان، في شتى المجالات، وأبرزها قطاع الطاقة. فتلك البلاد طوّرت تقنية لإنتاج الماء من الهواء الصحراوي، بالإعتماد على الطاقة الشمسية، وستًعرض التقنية في الجناح الهولندي في معرض "إكسبو 2020 دبي"، العام المقبل. ويأتي هذا الإنجاز فيما تتخبط القوى السياسية اللبنانية لتوزيع المكاسب الناجمة عن الهدر والفساد من مشاريع الطاقة.
فريق من الخبراء
وافقت هولندا على مساعدة لبنان في مشروع إنشاء محطات شمسية مركزية لإنتاج الطاقة، وذلك عبر تقديم خدمات علمية، تبدأ بإرسال فريق من الخبراء في مجالات الهندسة والاقتصاد والبيئة. وتلك الموافقة خرجت إلى النور عبر تغريدة لوزيرة الطاقة ندى بستاني على "تويتر"، يوم الثلاثاء 2 تموز، أكدت فيها "توقيع اتفاقية تعاون بين المركز اللبناني لحفظ الطاقة وسفير هولندا في لبنان، ومنحت بموجب الاتفاقية هولندا هبة عينية بقيمة 600 ألف يورو، للقيام بدراسة جدوى كاملة للمحطات الشمسية المركزية". وبالتأكيد، قد لا تلتفت هولندا للمسار الإداري اللبناني، الذي يحدد هوية الجهة المخولة قانوناً التواصل مع الخارج لاستقدام مثل هذه المساعدات.
يبرز إسم المركز اللبناني لحفظ الطاقة في هذا المشروع، لأنه "صلة الوصل بين وزارة الطاقة والجانب الهولندي"، وفق ما يؤكده لـ"المدن"، مدير المركز بيار خوري، الذي يوضح أن "لبنان لن يأخذ هبة مالية مباشرة، وإنما الهبة هي مساعدة عينية، تتمحور حول إرسال هولندا فريق للقيام بدراسة جدوى حول إنشاء المحطات الشمسية. على أن يقدم الفريق دراسته إلى وزارة الطاقة، التي ستحدد لاحقاً ما إذا كانت ستتبنى الدراسة لتعمل وفقها على بناء المحطات، أم لا".
ويشرح خوري أن "المبلغ المالي المذكور هو السقف الذي ستصرفه الدولة الهولندية على المشروع، بدءاً من تحديد هوية الشركات التي ستوافق عليها هولندا، وترسل فريقاً منها إلى لبنان، مروراً بكافة التكاليف التي سيتضمنها المشروع. لكن عملية الإنفاق محصورة في هولندا، وما ذكر المبلغ المالي سوى للإعلان عن حجم المساعدة".
جمعية خاصة للمشاريع العامة؟
ليست مسألة الوساطة بين هولندا والمركز اللبناني لحفظ الطاقة تفصيلاً بسيطاً في هذا المشروع. فالمركز ليس جمعية خيرية تتلقى المساعدات من حكومات أو جمعيات دولية، بل هو جمعية خاصة ارتبط اسمها بوزارة الطاقة، منذ تولي التيار الوطني الحر زمام الأمور فيها. وأصبح المركز شريكاً في المشاريع والمناقصات التي يجريها وزراء الطاقة المتعاقبين، وليس آخرها مشروع إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح في عكار.
واللافت أن عمل المركز يحصل بمعرفة وموافقة كل القوى السياسية الممثلة في الحكومة. فمجلس الوزراء فوّض وزير الطاقة سيزار أبي خليل، في تموز 2018، تشكيل لجنة من الفنيين والقانونيين، في وزارة الطاقة والمياه، مؤسسة كهرباء لبنان والمركز اللبناني لحفظ الطاقة، لمتابعة مراحل عملية تنفيذ مشروع عكار. وفي هذا التفويض اعتراف رسمي بعمل المركز لصالح وزارة الطاقة، أي لصالح الدولة اللبنانية، خلافاً للقوانين. وهنا، الملام الوحيد في خرق القوانين، هو الحكومة المؤتمنة على تنفيذ القوانين، وليس المركز الذي يجد لنفسه دوراً على مستوى عالٍ.
اعتراضات فردية
بحكم توزيع المشاريع وأرباحها على القوى السياسية، بات على تلك القوى البحث عن طرق لتهريب المشاريع خارج إدارة المناقصات. لذلك ابتدعت فكرة المراكز والجمعيات والمشاريع التي تُختَصر طريقها في وزارة الطاقة، ويحسم أمرها الوزير ومستشاروه، وفي ذلك اختزال للمسار الإداري القانوني لكل المشاريع والقرارات.
وفي خضم ذلك التهريب، يبرز صوت اعتراضي يتخذ من جلسات لجنة المال والموازنة منطلقاً لرفع الصوت ضد محاولة قوننة ما هو غير قانوني، سواء في ما يتعلق بعمل المراكز والمنشآت الخاصة، أو بمحاولات تمرير القروض والسلف والإعتمادات في الموازنة.
وللإنصاف، تشير مصادر نيابية لـ"المدن"، إلى أن "النائبين ياسين جابر وأنور الخليل كانا الصوت المعترض الوحيد على كل التجاوزات الواردة في موازنة الطاقة، التي أقرت يوم الإثنين 1 تموز، ضمن مشروع موازنة العام 2019". وتؤكد المصادر أن "كل القوى السياسية كانت تساوم على خدمات هنا وهناك، للموافقة على موازنة الطاقة". وتأتي قساوة الرفض من قبل جابر والخليل، استناداً إلى أن "موازنة الطاقة باتت من أخطر الموازنات، لأنها منتشرة على بقعة واسعة ومرتبطة بالعديد من المشاريع والقروض وقوانين البرامج وغير ذلك". الأمر الذي يجعل من جابر والخليل "مغرّدان خارج سرب السلطة التشريعية الساهية عن القوانين".
خضر حسان - المدن