يتنفّس لبنان إقتصادياً عبر البحر الأبيض المتوسط، وعبر البر السوري، ومنه إلى الأردن فدول الخليج. والمسار البرّي أقل كلفة من نظيره البحري، ما يجعل البر المنفذ الأبرز. ويعرف النظامان السوري والأردني أهمية هذا المنفذ بالنسبة للبنان، لذلك، تجري عملية الضغط على لبنان، متى شاءت الدولتان، عن طريق عرقلة انتقال البضائع عبر الأراضي السورية وكذلك عبر الأردن. الأمر الذي دعا المزارعين إلى رفع الصوت، وسط غياب تام للجهات الرسمية اللبنانية، وخاصة وزارة الزراعة.
إحتجاج متكرر
رمى عدد من المزارعين في سوق الخضار في منطقة الفرزل البقاعية، محاصيلهم الزراعية أرضاً، يوم الأحد 30 حزيران، إحتجاجاً على الوضع المتردي للقطاع الزراعي. وأعاد الأمين العام للعلاقات العامة في الاتحاد العام للنقابات الزراعية علي شومان، سبب الأزمة إلى استفحال التهريب من سوريا إلى لبنان، معتبراً أن الحل "يحتاج إلى قرار سياسي، ولا يكفي اتخاذ القرار من قبل الجيش بمنع التهريب وملاحقة المهربين". ورفع شومان سقف الخطاب، ممهلاً الدولة "مدة أقصاها 24 ساعة"، لإيجاد حل.
هذه الخطوة لم تكن معزولة، بل سبقها الكثير من التحركات التي نفذها المزارعون والنقابات الممثلة لهم، وتحديداً بعد الإعلان عن إعادة فتح معبر نصيب بين سوريا والأردن، ورفع سوريا الرسوم التي تتقاضاها عن كل شاحنة لبنانية تمرّ عبر أراضيها. فالقرار السوري جاء عكس التوقعات اللبنانية التي كانت ترى بإعادة فتح المعبر، خطوة نحو زيادة معدلات تصريف الإنتاج التي لم يستطع التصدير البحري الإحاطة بها كما يجب. وعليه، فإن القرار السوري رَفَع كلفة التصدير، وبالتوازي كلفة المنتجات اللبنانية في الأسواق الذاهبة إليها.
تصريف الإنتاج لا التهريب
احتجاجات المزارعين في الفرزل لم تعبّر عن أزمة القطاع الزراعي بصورة كاملة، برغم أحقيتها في جانب معيّن، وفق رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع إبراهيم الترشيشي، الذي يؤكد لـ"المدن"، أن "رمي بعض المنتجات الزراعية أرضاً، لا يحل مشكلة المزارعين". وبذلك، يُعيد الترشيشي السبب الرئيسي للأزمة إلى "عدم القدرة على تصريف الإنتاج، وليس التهريب. فالمشكلة بالكساد التي تواجهه البضائع اللبنانية".
نقل الأزمة إلى عدم القدرة على تصريف الإنتاج اللبناني إلى الخارج، يضع سياسات ثلاث دول تحت المجهر. سياسات النظام السوري، بنظر الترشيشي، هي المعرقل الأول لتصريف الإنتاج اللبناني الذي عانى الأمرّين. حيث "إنخفض معدل التصريف بعد إقفال معبر نصيب واعتماد لبنان التصدير البحري، من 550 ألف طن إلى 280 ألف طن". ولم يكد المزارعون يستبشرون خيراً بفتح المعبر، حتى وضع النظام السوري تعرفة مرتفعة على مرور الشاحنات اللبنانية في سوريا، وبات لزاماً على كل شاحنة لبنانية "دفع نحو 1400 دولار".
وبموازاة الضغط السوري، تواجه الشاحنات اللبنانية "عراقيل من قِبَل المخابرات والجمارك الأردنية، الذين يتعمّدون تأخير مرور الشاحنات بحجة التفتيش، الأمر الذي يؤدي الى إتلاف بعض المنتجات نتيجة تعرضها للشمس لفترات طويلة. علماً أن الشاحنات تمر بالأردن ترانزيت، ويُمنَع فتحها". ويضيف الترشيشي أن هذه الإجراءات خفّضت عدد الشاحنات التي تمر بسوريا والأردن "من نحو 100 شاحنة يومياً إلى نحو 10 شاحنات تحمل نحو 300 طن فقط". في المقابل، يشير الترشيشي إلى أن "الشاحنات السورية تحمل نحو 3000 طن يومياً إلى الأسواق التي تقصدها البضائع اللبنانية. وبعد تلك الإجراءات والعراقيل، تنخفض قيمة البضائع السورية مقابل البضائع اللبنانية".
إقفال الحدود
المناشدات التي وجّهها المزارعون وأصحاب الشاحنات، لم تجد آذاناً صاغية من قِبَل المسؤولين اللبنانيين. بل أن وزارة الزراعة حسب الترشيشي "في عالم آخر، وغائبة عن الوجود". وهذا الغياب يشجّع منافسة البضائع السورية والأردنية لنظيرتها اللبنانية.
وأمام هذا الواقع، لم يجد المتضررون من أهل القطاع، سوى التصعيد، علّه يعيد الأمور إلى نصابها. لذلك، قررت نقابة مالكي الشاحنات المبردة في لبنان "إقفال الحدود اللبنانية في المصنع اللبناني، على كافة الشاحنات الآتية إلى لبنان أو الخارجة منه، يوم الثلاثاء 2 تموز، حتى يسمع المسؤولون اللبنانيون وجعنا ومعاناتنا". وفي بيان لها، أكدت النقابة أنها لم تجد "معاملة حسنة تجاه تصدير الإنتاج الزراعي اللبناني أو الإنتاج الصناعي على كافة الحدود، ومنها الشقيقة سوريا وكذلك في المملكة الأردنية الهاشمية". وأوضحت النقابة أنه تمت الإتصالات "مع الدولة السورية والمملكة الأردنية وسفارة الأردن في بيروت، ولم نسمع مجيباً، وما زال الوضع على حاله ويُنذر بالسوء".
خضر حسان - المدن