بحسب تقرير نشره موقع "24" الإماراتي، فإنّ ترامب، بدأ بالفعل الحرب التجارية العالمية، ولكن في الوقت الحالي توجد دلائل تشير إلى أنّه ربما يستعدّ لقرع طبول حرب العملة أيضاً، ورغم أن الحديث الذي يشوبه الخوف والقلق بشأن إمكانية تحول الحرب التجارية الراهنة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين إلى حرب عملات، يبرز على ساحة النقاشات الدولية من حين إلى آخر، مخاوف حقيقية بأنّ هناك أرضية لإمكانية اندلاع حرب عملات على نطاق واسع، خصوصاً بعد تغريدات لترامب الثلاثاء الماضي على "تويتر" استهدفت البنك المركزي الأوروبي.
حرب العملات
ومع سلسلة من تغريدات ترامب وإعلان رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، أنه مستعد لخفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر رداً على تباطؤ النمو في أوروبا، قام ترامب بإجراء تدخل أميركي نادر في السياسة النقدية للاقتصادات الأوروبية.
وقال ترامب إنّ "مجموعة الحوافز المالية المحتملة لمنطقة اليورو التي ألمح إليها رئيس البنك المركزي الأوروبي، تعطى الاتحاد الأوروبي ميزة تنافسية غير عادلة".
وكان رئيس البنك الأوروبي، أعلن أنّ المزيد من الحوافز قد تأتي في المستقبل، الأمر الذي أدى إلى انخفاض اليورو على الفور أمام الدولار.
وكشفت وكالة "بلومبرغ"، الخميس، وجود مؤشرات محتملة تدل على أن ترامب يستعد لإطلاق "حرب عملات" عالمية، ورأت أنّ "سلسلة التصريحات التي أطلقها ترامب الثلاثاء الماضي، والتي انتقد من خلالها تصريحاً لدراغي، أنّ "المركزي مستعد لخفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر"، ليست إلا دليلاً على أن ترامب يستعد لـ"حرب عملات".
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتهم فيها ترامب دولاً بالتلاعب بقيمة عملتها لجعل الدولار أقوى، ما يرفع تكلفة الصادرات الأميركية، وأشارت "بلومبرغ" أيضاً إلى أن ترامب أصبح فريداً بين الرؤساء الأميركي بتحوله عن سياسة "الدولار القوي".
ومنذ إعلانه ترشحه للرئاسة، يوجه ترامب سهام انتقاداته نحو اقتصادات كبرى، مثل الصين وألمانيا، متهماً كل منهما بتعمد إضعاف اليوان واليورو على التوالي، من أجل العمل على خلق مجال أوسع للتنافسية لصادرات الصين وأوروبا على حساب الصادرات الأميركية، خاصة في ظل قوة الدولار، وهو أمر أشار له ترامب مراراً أنه ليس في صالح الاقتصاد الأميركي.
هزة
وأحدث حاكم البنك المركزي الأوروبي "هزة" في الأسواق الثلاثاء الماضي بعد أن أعلن أنه "سيتحتم اتخاذ تدابير إنعاش إضافية" للاقتصاد إذا ما بقي التضخّم منعدما كما هو عليه حالياً، مشيراً إلى أوضاع اقتصادية متباطئة.
أما رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول، فخفف من تشدّده خلال مؤتمر صحافي كان مرتقباً بشدة، فتحدث عن غموض "متزايد" يخيم على أوضاع أول اقتصاد في العالم، مشيراً إلى وجود "المزيد من الحجج" التي تحمله على دعم الاقتصاد.
وفي الحال، رأت الأسواق في هذين الموقفين مؤشراً إلى تخفيضات مقبلة لمعدلات الفوائد، ما أدى إلى تراجع عائدات سندات الخزينة الأميركية لـ 10سنوات إلى ما دون 2%.
ومع أن حاكمي المصرفين المركزيين لزما الهدوء في موقفيهما، إلا أن نبرة الخطاب السياسي بين ضفتي الأطلسي كانت أكثر حدة.
وردّ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قائلاً: "من غير المنصف إطلاقاً مهاجمة المصارف المركزية في أمور تمت إلى استقلاليتها"، مسارعاً إلى نجدة ماريو دراغي الملقب "سوبر ماريو" بسبب تدخلاته الحاسمة في الأزمات الأخيرة التي طرأت على منطقة اليورو.
أدوات
ويقول الخبير الاقتصادي العالمي في "سيتي غروب"، سيزار روخاس، في تصريحات له، إنّ "محافظي البنوك المركزية يضعون الأدوات المحتملة التي قد تكون لديهم وتحت تصرفهم على الرغم من عدم الدخول في حرب عملة بعد".
واتفق وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية، الشهر الحالي، على أن حرب العملات، وهو تصرف تقوم به الدول في أوقات النمو الاقتصادي البطيء لإضعاف أسعار صرف العملات من أجل زيادة الصادرات، ليست في مصلحة أحد، وأكدوا من جديد الالتزامات التي تم التعهد بها في آذار عام 2018 بالامتناع عن تخفيض قيمة العملة.
ويرى عدداً من الاقتصاديين أنه "ينبغي على الولايات المتحدة اتخاذ نهج أكثر حدة لمعالجة التلاعب بالعملة من قبل الشركاء التجاريين"، بحسب "بلومبرغ".
وفى مقابلة مع "بلومبرغ"، قال مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية، براد سيتسر، إن "تدخل ترامب، في سياسة البنك المركزي الأوروبي، كان في غير محله، ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى أن تعليقات رئيس البنك المركزي الأوروبي كانت تستهدف الظروف المحلية".
وأضاف: "معظم دول العالم تدرك أن البنك المركزي الأوروبي قد فشل في تحقيق هدف التضخم، وأن هناك ضغوطاً عليه لتخفيف السياسة مع تباطؤ الاقتصاد الأوروبي".
بلبلة في أميركا
وفي حال ارتفع سعر الدولار، فهذا سيكون خبراً سيئاً للغاية بالنسبة للرئيس الأمريكي إذ أنه يستتبع تراجع القدرة التنافسية للمصدرين الأميركية مع خوض ترامب للتو حملته الانتخابية للفوز بولاية ثانية في 2020.
ويتباهى الرئيس في سياق عرض حصيلة رئاسته بترميم القوة التجارية الأميركية بمواجهة الصين وكذلك الأوروبيين الذين يهددهم بفرض رسوم جمركية مشددة ستشكل ضربة قاسية لقطاع صناعة السيارات.
وفي وقت تشهد الولايات المتحدة إحدى أطول دورات النمو الاقتصادي في تاريخها الحديث، فإنّ ترامب مصمم على الحصول على مساعدة الاحتياطي الفدرالي لتمديد هذه الفترة لأطول ما أمكن.
وانتقد ترامب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، قائلاً إنه "ليس مسروراً بسياساته النقدية"، وتابع: "لأننا نشهد نمواً، يريدون أن يرفعوا مرة أخرى أسعار الفائدة... لست راضياً عن ذلك".
ويعمل الاحتياطي الفيدرالي بشكل مستقل تماماً عن الإدارة الأمريكية، وتعد هذه الانتقادات أمراً غير معتاد أو متوقعاً من قبل رئيس أميركي لمجلس الاحتياطي وسياساته النقدية.
وتسببت ملاحظات ترامب العلنية على أداء الاحتياطي الفيدرالي في بلبلة واسعة، دفعت وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إلى توضيح أنّ ترامب "ليس لديه أي نية لممارسة الضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي".
ولكن في الواقع أن مخاوف البنك المركزي الأوروبي مشروعة أكثر من مخاوف نظيره الأميركي. فالنمو في منطقة اليورو في تباطؤ، في حين أن الولايات المتحدة بدأت العام بنمو بلغ 3.1% في الفصل الأول من السنة، على الرغم من بعض إشارات التباطؤ ومن وطأة الخلافات التجارية ولا سيما الحرب التجارية مع الصين التي لا تزال مفتوحة على شتى الاحتمالات، وفقاً لما أوردته وكالة "فرانس برس"، في تقرير لها، يوم الأربعاء.
الصين: لا تلاعب
وبالنسبة للصين، حذر وزير الخزانة الأميركي، مساء أول من أمس الأربعاء، التنين الصيني بشأن ضعف عملته، قائلاً إن "وزارته تراقب عن كثب اليوان، بحثاً عن أي علامات على تلاعب بالعملة"، موضحاً أن "ضعف اليوان ستجري مراجعته.
ومن جانبها، ردت وزارة الخارجية الصينية، أمس الخميس بالتأكيد أن الصين لا تتلاعب بعملتها بهدف تعزيز القدرة التنافسية لصادرات البلاد في مواجهة السلع الأخرى، مؤكدة أن "التهديد والترهيب فيما يتعلق بالتجارة لن يُجدي مع الصين نفعاً"، بعدما هدد الرئيس الأميركي بفرض رسوم علي جميع السلع المستوردة من الصين، وتبلغ قيمتها 500 مليار دولار.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ، خلال المؤتمر الصحافي اليومي بمقر الوزارة، إن "بلاده أوضحت في أكثر من مناسبة أنها لا تريد حرباً تجارية، خاصة وأن هذه الحرب ليس فيها فائز، وأن موقفها ثابت حيال الدفاع عن مصالح شعبها".
واشنطن تخرج منتصرة؟
ولكن إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تخرج منتصرة في تلك الحرب على الرغم مما ستتعرض له من خسائر، فلماذا لا تسارع بإشعال حرب العملات؟!
ورداً على السؤال، قال تقرير لصحيفة "الاقتصادية"، إن "الأمور لاتبدو بتلك السهولة أو البساطة، فالتداخل الراهن في الاقتصاد العالمي نتيجة العولمة، يعرقل إلى حد كبير قدرة الولايات المتحدة على القيام بذلك، فحرب من هذا القبيل ستضعف حتماً معدلات النمو في الاقتصاد الصيني، وستضعف من الحدة الاستيرادية للصين من الولايات المتحدة، وهو ما يعني تأثر الاقتصاد الأمريكي سلباً من تراجع خصمه".
ويرى الخبير الاستثماري بوريس وليم أن الولايات المتحدة ستقبل بتراجع نسبي في قيمة اليوان، كوسيلة لتوفير بعض الدعم للاقتصاد الصيني، لكن إذا تجاهلت السلطات المالية في بكين التحذيرات الأميركية بضرورة عدم تراجع اليوان عن حد معين، وهو ما يعرف بالمستوى الحساس ويقدر بـ 6.7 يوان مقابل الدولار فإن الاستراتيجية الأميركية ستتغير.
ويقول للصحيفة، إنّ "الخوف من أن يؤدي مواصلة انخفاض قيمة العملة الصينية أمام الدولار إلى اندلاع حرب عملات، يعود إلى أن كل دولة ستكون لها قراءة مختلفة عن الأخرى فيما يتعلق بأسباب هذا الانخفاض، فبينما ستنظر الصين إليه باعتباره تحركا مبرراً تماماً، نظراً للظروف التي يمر بها الاقتصاد الصيني.
ويوضح أن الجانب الآخر وهو إدارة ترامب ستنظر إلى الموقف الصيني باعتباره خطة تهدف إلى إلحاق الأذى بحصة الولايات المتحدة من التجارة العالمية، وإذا ما انخرط الطرفان في حرب عملات فالمؤكد أن الاقتصادات الأخرى ستعاني بشكل كبير للغاية.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن "عدداً من الدول الصناعية المتقدمة مثل اليابان والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا استعانوا سابقاً بمنطق إضعاف عملتهم بمزيد من طباعة النقود لتشجيع الصادرات، وعليه فلماذا تحرم الصين من تلك الممارسة؟".
وينظر إلى هذه التحركات فى العملات على نطاق واسع على أنها مرتبطة بضعف الاقتصادات الأوروبية والصينية والاقتصاد العالمي الذى يبدو هشاً بشكل متزايد، وبحسب تقارير اقتصادية يرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى "حروب ترامب التجارية".