جميل جبق، هو من بين أكثر الوزراء نشاطاً، لما أظهره منذ توليه الوزارة من حماسة لإصلاح النظام الصحي والإستشفائي في لبنان. ولولا الخوف من خيبة الأمل، ولولا التجارب السابقة التي عاشها اللبنانيون مع كل وزير جديد يعلن عن إصلاحات ويطلق الوعود.. لكنا وصفنا وزير الصحة العامة بأنه "وزير الأحلام" وليس فقط "وزير الإنسانية"، كما بات يصفه الكثيرون.
أغلبُ الظن أن الوزير جبق يدرك صعوبة النجاح في وزارة لطالما اصطبغت بشبهات الفساد، ويدرك حساسية الإدارة التي يتولاها، والتي تُعنى بتقديم خدمات فعالة تمس شرائح واسعة من المواطنين، خصوصاً وأن ثمة من يقول إنه بالغ في تقديم الوعود، في بلد تعددت حالات الوفاة فيه على أبواب المستشفيات، وفوق كل ذلك تحدي تمثيل "حزب الله" بوزارة خدماتية في الحكومة.
مؤتمر صيادلة لبنان
أطلق وزير الصحة، بشرتين جديدتين في مؤتمر "يوم الصيدلي"، الذي نظمته نقابة صيادلة لبنان باليوم الصيدلي الرابع والعشرين في فندق "فينيسيا"، يوم الأحد 9 حزيران الحالي، تحت عنوان "دور الصيدلي في ترشيد الفاتورة الدوائية"، وهما: أولاً، تخفيض جدي لأسعار 1600 دواء، على أن يستكمل العمل على تخفيض سعر دفعة جديدة يتجاوز عددها الـ1600 نوع من الأدوية ذات الكلفة المرتفعة: "وبذلك، خفضنا الأسعار بنسب تتراوح بين 25 في المئة و55 في المئة". وثانياً، إنشاء المختبر المركزي لفحص الأدوية والمتممات الغذائية والماء والهواء، وكل ما يتعلق بالفحوص الدوائية الحديثة بالغة التطور والتعقيد، وبجودة عالية، نظراً للحاجة الماسة إليه على مستوى البيئة والصحة".
بالتطرق إلى "البشرى" الأولى، لطالما سمع المواطن قرارات مماثلة عن تخفيض أسعار الأدوية، وتحسينات في النظام الصحي، من دون أن يتم تنفيذها واقعياً، وسط حالات الفساد المستشري في القطاع، فكيف ستتأكد الوزارة من ترجمة هذا القرار فعلياً؟ يجيب جبق بحزم، في حديث خاص مع "المدن"، قائلاً: "من لا يلتزم بتطبيق القانون والتسعيرة التي وضعتها وزارة الصحة سنقوم بإغلاق صيدليته"، مشدداً على أن "الناس لم تشعر بتغير تسعير الأدوية لأننا لم ننشر اللائحة الجديدة للأسعار بعد، لكن خلال شهر واحد فقط، سنبت كل شيء وسيلمس المواطن هذا التغيير".
ضمان الشيخوخة
لكن ماذا عن مشاريع قوانين ضمان الشيخوخة التي لم تبصر النور، علماً أن رئيس الجمهورية ميشال عون كان ذكر في تصريح منذ أربعة أشهر (تاريخ 20 شباط 2019) أن ضمان الشيخوخة سيأخذ طريقه إلى التنفيذ؟ هنا يؤكد جبق أن "كل شخص في عمر الـ64 وما فوق، وفي حال لم يكن لديه جهة ضامنة، فهو مضمون لدى وزارة الصحة بنسبة مئة في المئة، ولدى كل المستشفيات"، أما عن المستشفيات التي لا تلتزم بهذا القرار، فيشير إلى أن "بعض المستشفيات لا تلتزم بهذا الأمر، وعلى اللبناني اللجوء إلى المستشفيات المتعاقدة معنا".
وبالحديث عن أهمية دعم وتشجيع صناعة الدواء المحلية، يؤكد جبق أن "لدينا في لبنان 11 مصنعاً لتصنيع أدوية عالية الجودة، وأنا أدعمهم منذ دخلت الوزارة عبر السماح لهم بتسجيل أدوية مصنّعة في لبنان"، مشدداً على أننا نقوم بكل ما يلزم لتطوير مصانع الأدوية اللبنانية الموجودة الآن لتصنيع أدوية مصنفة عالية الجودة، فالأدمغة اللبنانية قادرة على تصنيع أدوية تلبي المواصفات العالمية ويمكن تصديرها إلى عدد من الدول من حولنا".
وإذ نسأله أن الفساد في القطاع الصحي لا يقتصر على المستشفيات التي لا تلتزم بقرارات الوزارة، بل يطال بعض الأطباء الذين يعقدون صفقات مع شركات الأدوية لتسويق واستخدام أدوية تكون عادة باهظة الثمن مقابل أدوية أخرى بديلة قد تكون متساوية في الجودة والنوعية أو ربما أفضل لكنها أرخص.. يكتفي الوزير برد مختصر قائلاً: "المريض اللبناني لديه كل الحق بالذهاب إلى أي صيدلية يريدها وهو غير ملتزم بطبيب معين".
لبنان الأول بمرض السرطان!
يحتل لبنان مراتب متقدمة في نسبة المصابين بمرض السرطان. خبر مرّ مرور الكرام على اللبنانيين. ربما لأننا اعتدنا على التمركز في اللوائح الأولى ضمن الأسوأ. لكن هذه المرة مروعة أكثر. فلم يحتل لبنان المركز الأول ضمن الدول الأكثر تعاسة، أو الدول الأكثر فساداً، بل الأول في كثرة الموت، كيف تواجه الوزارة هذا التحدي الجديد؟ يجيب جبق: "لبنان يعاني من الأوبئة، وللأسف الأمراض المستعصية إلى تفاقم"، وفي هذا الصدد، يوجه الوزير تحذيراً من "العامل الأهم الذي يؤدي إلى زيادة نسبة الأمراض السرطانية وهو التلوث البيئي، إن كان في الهواء أو المياه أو الغذاء الذي نأكله"، مشدداً: "نقوم باستدراكه من خلال إيجاد الحلول مع الوزارات المعنية".
بعد مرور مئة يوم على عمر الحكومة، ما هي العراقيل التي واجهتها في وزارة الصحة العامة؟ يختم الوزير بالقول: "لا عراقيل، لكننا بحاجة إلى الأموال التي قُدمت لنا كي نبدأ بتحقيق المشاريع التي وعدنا بها المواطنين، وأعتقد أنه حين تقر الموازنة بعد ثلاثة أسابيع في المجلس النيابي ويتم التصديق عليها لن يكون هناك أي عراقيل بتاتاً".
مهمات المختبر المركزي
بالعودة إلى "البشرى" الثانية، وهي افتتاح المختبر المركزي، كان لـ"المدن" حديث مع نقيب أصحاب المختبرات الطبية في لبنان، الدكتور كريستيان حداد، الذي عدّد مهمات المختبر، التي ستعود بالفائدة على الجسم الطبي بشكل عام، وقال إن مهمته الأولى هي المراقبة والتحقق من مواصفات الأدوية ومن المستحضرات الطبية والكواشف الطبية وكل أنواع الطعام، في حال كانت مطابقة للمواصفات المعتمدة أم لا، أما المهمة الثانية فهي متابعة الأوبئة وتفشي الأمراض في البلد، وتقديم الطرق والإرشادات لاستقصاء كل الأمراض، أما الثالثة فهي التحقق من جودة الأداء في المختبرات والمؤسسات "quality control extern" ليبعث بدوره عينات للتأكد من أداء المختبرات كما يحصل في البلدان المتطورة، مشيراً الى أن "نقابة الاطباء ونقابة المختبرات في لبنان قامتا بهذه الخطوة سابقاً من خلال شركة عالمية المانية".
احذروا فحوصات الصيدلة
وكشف حداد عن ظاهرة خطيرة في لبنان، وهي تكمن في قيام بعض الصيادلة ببعض الفحوصات المخبرية التالية (HbA1c تخزين السكر- Glycémie - Cholesterols - Triglycerides – HIV) محذراً من أنها غير قانونية ولا تخضع لأي اعتبارات لمعايير السلامة، ما يضع المواطن أمام خطر صحي حقيقي. كما حذّر عن المستوصفات التي تعطي أدوية مغلوطة، ونتائج لفحوصات خاطئة، لأنها غير مراقبة ولا نظام جودة فيها.
من ناحيته، أضاء أمين سر أمين نقابة الصيادلة في لبنان على عمل المستوصفات، مشيرا إلى أهمية تنظيم عمل المستوصفات وتقديم الخدمة الطبية، وبسعر رمزي تحدده وزار الصحة العامة، وليس المتاجرة بالدواء لمراكمة الأرباح من دون وجه حق. كما شدد على أهمية وضع استراتيجية دوائية تهدف إلى إعطاء الصيدلي دوره الطبيعي، وهو المختص بعلم الدواء دون غيره، وتمكينه من تقديم الرعاية الصحية للمواطن بأقل كلفة ممكنة.
مع تفاقم العوز والفقر والمرض، وما أصاب نظامنا الصحي العام، تزداد أهمية ما سيقدم عليه الوزير جبق، عسى أن تكون وعوده هي أيضاً وعود كل من يعمل في هذا القطاع، الذي عليه تقوم عافية البلد أو تنعدم.
المصدر: المدن