في بلد يتقاتل سياسيوه على منصب رئيس بلدية، أو مجرد عضوية ببلدية، وربما حتى من أجل تعيين موظف حكومي، غير آبهين بتسارع خطواته نحو الانهيار الاقتصادي.. ليس مستغرباً دخول شحنات من المواد الغذائية الفاسدة عبر مرافقه ومعابره الحدودية، خصوصاً أن المعابر البرية والبحرية مشرّعة منذ سنوات أمام التهريب من دون حسيب أو رقيب.. لكن كل ما أشيع في الساعات الماضية عن إدخال أرزّ مسرطن إلى السوق اللبنانية "غير صحيح"، فشحنة الأرزّ المعنية لم يثبت فسادها بشكل قاطع حتى اللحظة، كما أنها لا تزال جاثمة في مرفأ طرابلس، ولم تدخل إلى السوق اللبنانية. فما هي قصة الأرز المسرطن؟
معايير جديدة
تعود قضية الأرزّ "المشبوه" إلى قرار اتخذه وزير الزراعة، حسن اللقيس، في شهر آذار الفائت يتعلّق بإخضاع الشاي والأرز والفاكهة المجففة والمجمّدة إلى تحليل متبقيات المبيدات، وهو فحص لم يكن مطبقاً سابقاً، يهدف إلى فرض المزيد من الإجراءات على المواد المستوردة. ووفق مستشار الوزير اللقيس، أحمد رمضان، في حديثه إلى "المدن" فإن الإجراءات الجديدة اعتمدت أعلى درجات التشدد لجهة وجود متبقيات المبيدات. وهو ما يعتمده الاتحاد الأوروبي، ويتوافق بالطبع والدستور العالمي للغذاء codex alimentarius.
وحسب قرار الوزير، تُجرى فحوصات الترسبات لـ139 مادة فعالة، تفحص في المختبرات اللبنانية، بما يحد من إمكانية دخول أية منتجات غير صحية. أما المستجد على هذا الصعيد فهو سعي وزارة الزراعة للعمل على اقتراح تعديل القرار المتشدّد، وتخفيف النسب التي اعتمدت الحد الأقصى، بما لا يؤثر على صحة وسلامة المواطنين، ووفق دراسات علمية حديثة، على حد تعبير الوزارة في بيان لها.
الأرزّ "مسرطن" أم لا؟
بالنسبة إلى شحنة الأرزّ التي يبلغ حجمها نحو 23 طناً، وتعود إلى شركة مقبل للمواد الغذائية، فإن نتيجة فحوصاتها الأولية جاءت سلبية، بمعنى أن العينات التي تم أخذها من الشحنة لم تكن مطابقة للمواصفات "المتشددة" لجهة متبقيات المبيدات، ما استدعى من الشركة تقديم طلب استرحام لوزارة الزراعة، وهو ما يتيحه لها القانون. بمعنى أن يتم أخذ عينات جديدة وإخضاعها للفحوص المخبرية في ثلاثة مختبرات معتمدة رسمياً. وعلى ضوء النتائج الجديدة، يُتخذ القرار بإدخال الشحنة إلى البلد، أو رفضها لعدم تلبيتها المواصفات الصحية.
فحوص ما بعد الفحوص
إذاً، بعد النتائج السلبية للفحوص الأولية، تخضع عيّنات من شحنة الأرزّ العائدة إلى شركة مقبل، لفحوص ثلاثة مختبرات. وفي حال جاءت النتائج سلبية بأغلبيتها أي من مختبرين أو ثلاثة مختبرات يُحسم أمر فساد الأرزّ، وتُرفض الشحنة. أما في حال جاءت النتائج إيجابية من قبل المختبرات الثلاثة، فالشحنة ستدخل إلى السوق اللبنانية. لكن في حال كانت نتائج الفحوص إيجابية من مختبرين مقابل نتيجة سلبية من مختبر واحد، فإن إدخالها الى السوق يستلزم حينها قراراً من وزير الزراعة بالسماح لها بالدخول إلى السوق اللبنانية أو برفضها كلياً. بمعنى أن القرار حينها بيد الوزير منفرداً.
لا تزال شحنة الأرزّ متوقفة في مرفأ طرابلس، ولم تدخل إلى الأراضي اللبنانية حتى اللحظة، بانتظار نتيجة الفحوص المخبرية والبت بمصيرها، إلا أن دخولها أمر وارد خلال الأيام المقبلة. ولكن في حال جاءت نتيجة أحد الفحوص المخبرية سلبية مقابل نتيجة إيجابية من مختبرين، مَنْ يضمن سلامة الأرزّ، طالما أن فساده وعدم مطابقته للمواصفات الصحية أثبتت، وإن في مختبر واحد؟ يسأل مصدر معني بحماية المستهلك في حديث لـ"المدن". وكيف يمكن حصر قرار إدخال منتج غذائي بشخص الوزير بعد مروره بعدة فحوص مخبرية؟ وأكثر من ذلك، هل كان أي منتج غذائي سيحظى بطلب استرحام من الاتحاد الأوروبي فيما لو جاءت نتيجة فحوصه المخبرية سلبية؟
المصدر: المدن